الأمر يختلف في جنوب السودان لدى القبائل النيلية التي تمثل الأبقار بالنسبة لهم أهمية كبيرة لأنها تعتبر بالنسبة لهم رمزا ثقافيا واجتماعيا لأفراد القبيلة وبها يتم حسم الخلافات والمشكلات بين الأسر والقبائل كما أنها تدفع ك(مهر) لأهل العروس الفتاة المراد الزواج بها، فيما تتفاوت أعداد الأبقار التي تقدم كمهر من أسرة لأخرى، وحول الموضوع تحدثت ل(كوكتيل) من قبيلة الدينكا الأستاذة (ديانا واني) قائلة: (ظلت قبيلتي تعتمد حتى الآن الأبقار مهر لفتياتها من المقبلات على الزواج، موضحة أنه دُفع لها مهرا لزواجها بعدد سبعون بقرة وهي مبلغ كبير لا يستطيع دفعه الغالبية على الرغم من تجزئته إلا من كان يملك قطعان من الأبقار والمال الوفير)، مشيرة إلى أن البعض من قبائل الجنوبية التي انصهرت بالزواج من بعض الشماليات اندثرت لديهن تلك العادة ليصبح المال هو المهر الرئيس لهن بدلا عن الأبقار. (2) من جانبه تحدث ل(كوكتيل) الفنان والموسيقى الجنوبي (مُلوي ملوال) قائلا: (الزواج عند قبيلة الدينكا يعتبر قمة المسؤولية بالنسبة لهم ولا يمكن أن يتم إلا إذا بلغ الشاب النضج تماما حتى لا يبدد المال الذي جمعه من قبل والذي سيقدمه كمهر لأسرة الفتاة التي ستكون أم لأسرة جديدة)، مضيفا: (الزواج بالنسبة لقبيلة الدينكا هو تكوين أسرة إضافية لأسرتَي الأم والأب بالنسبة للفتاة والفتى حيث تبدأ مراسمه بإرسال وفد من أسرة العريس من كبار السن أو أعيان العشيرة بما يسمى (التوج) وهو بمثابة الخطوبة أو الإعلان أن تلك الفتاة أصبحت مملوكة لأسرة، أي في ظهرها أبقار تشير إلى حجزها لمنع أي شاب آخر يحاول اللعب بمشاعرها أو مغازلتها معها على أنها ما زالت في ميدان الحب والغرام)، مواصلا: (لكن أحيانا قد تغير البنت رأيها عندما لا تتماشى مع ذلك الشاب وقد تضطر أسرتها إلى إرجاع أبقار العريس وتقتنع الأسرة أن هذه الزيجة لن تتقدم للإمام)، مشيرا إلى أنه عندما تكون العلاقة على ما يرام تأتي فترة إكمال ما تبقى لتكملة الزواج وهو ما يسمى ب(قيم) أي إعطاء الفتاة بعد أن تتفق الأسرتان على عدد الأبقار التي تتفاوت حسب طلب أسرة الفتاة التي أحيانا قد تطلب مائة رأس أو ثمانين رأسا من البقر ولكن ليس شرطا أن يتم العدد كليا فأحيانا إذا كان الرقم مائة بقرة فيمكن دفع ستين بقرة فورا وتكون البقية لاحقا وهذا ما ينطبق على اتفاق الأسرتين لإكمال الزواج). (3) فيما أوضح الباحث الجنوبي (مجوك قيبريال) ل(كوكتيل) أن عادة الزواج بالأبقار تعتبر من المورثات الاجتماعية التي لا يمكن التنازل عنها لدى القبائل النيلية بأي حال من الأحوال باعتبار أنها جزء من موروثات وعادات وتقاليد القبيلة، إلا أنه في ذات الوقت لذلك الموروث آثار سالبة وهو تعثر البعض من الشباب في دفع مهور محبوباتهن بجانب التعامل مع تلك الثروة الحيوانية بشيء من الاهتمام الزائد الذي يجعلها حكرا على عادات فقط في الوقت الذي يمكن الاستفادة منها ماديا، لافتا إلى أن البعض يربط كثرة أعداد الأبقار بطولها وجمالها وهي مسألة تتفاوت من شخص لآخر، خاتما: (إلا أنها تبقى عادة توارثها الآباء عنم الأجداد ثم الأبناء لا يمكن تغييرها بأية حال من الأحوال إلا باتفاق الطرفان).