إلى من يهمه الأمر ... سلام .... أنا (مجاهد ) ... بلغ عمري الثالثة عشر عاماً قبل أيام ... لا أكتب جيداً ولكني (أملي بوضوح وبلاغة ) .. من أسرة ريفية من صرة مشروع الجزيرة ، كان لدينا(حواشة ) وأنعام لاتبخل علينا بلحمها ولبنها ، وكنا مستورين ... وكان والدي يصلي الفجر في حواشته .. ويصلي المغرب كذلك ..كان يرفع يديه لربه في ذاك الفضاء المزحوم رحمةً وعطاياً ..، وكنت أذكر (مخزننا الصغير ) المملوء بمؤونة الشتاء والصيف وفوقه احتياط حق المحتاج وعابرالسبيل والضيف وما نصد به نوائب الدهر ... ولكن ولا أدرى لماذا وكيف بدأ الحال يتعرى وينحرف .. كان والدي يأخذنا ليلا (لنسرق محصولنا ) حتى لايأخذه عسس المشروع ... رجال بمسميات شتى وسلطات مطلقة وحسابات جربندية كان مخولاً لهم أخذ حصادنا وعرقنا وسهرنا وانتظارنا و (بالقانون ) ..... هجر أبي الحواشة وتركنا بيتنا أطلالاً و(نزحنا ) للخرطوم .. بعض البلهاء يظنون أن أهل الجنوب وحدهم نازحون !! .. استأجرنا منزلاً في أقاصي أم درمان .... في الخلاء البعيد حيث تتراءى لك مجموعة من الجبال برؤوس صلعاء وجافة ومخيفة ... لا ماء ولا كهرباء .. كان أبي يعزينا بمقولة (الخلا ولا الرفيق الفسل ) ....ولكن هل ابتعدنا عن ذلك الرفيق الفسل ؟؟ بعد ثلاث سنوات متعثرة في المدرسة اضطر والدي لعدم قدرته على توفير مصاريف دراستي .. ليخبرني بذلك ذات صباح باكي .. قلت في نفسي هذا أفضل من ذلة كل يوم في طابور الصباح ... قلت لأبي مواسياً هذا أفضل فالمصاريف التي تعطيني لها يأخذها المدرسون لفطورهم ورصيد موبايلاتهم وأولى بها بطون إخوتي ... أخذني والدي بعد أيام إلى (الملجة) سوق الخضارالمركزي بأم درمان في وسط السوق الشعبي ... فرحت وحزنت ، تفاءلت وخفت ولكني توكلت على الله ... اشترى لي والدي (درداقة) أحمل فيها احتياجات ومشتروات الموثرين وأدفعها إلى سياراتهم الفارهة نظير واحد جنيه ..... ولكن في ثالث صباح لي من بدء العمل فاجأتني يد غليظة تضع عبئها فوق كتفي المرهق أصلاً ... الرجل الذي التفت لأسأله عن ثقل يده وجدت ملامحه تشبه عسس مشروع الجزيرة .. نظارات سميكة ولغة جافة وأعين لاتعرف خيراً .... لم يحادثني كثيراً ولكنه كلف رجل شرطة باقتيادي إلى مبنى المحلية ... فهمت هناك أنه ليس من حقي امتلاك درداقة ! نعم ليس من حقي ذلك ولكن المسموح لي فقط أن استأجر منهم واحدة .. ملكهم هم ..ألف بها طوال النهار ثم أعود لأفرغ ريعها في جيوبهم التي لا تشبع .... لست وحدي .. بل كل الذين عجز أهلهم عن إطعامهم وتعليمهم ودفعوهم للقيام بذلك بأنفسهم ... ضحكت وأنا وأفرغ مافي جيبي من جنيهات للموظف الجالس بإهمال فوق مقعده ... خرجنا لنطعم أنفسنا فإذا بنا نطعم كل هذا الجيش من العطالى .. موظفو المجالس والمحليات الذين لاينتجون ولايعملون ولايقدمون خدمة !!!! الموظف الذي يستلم من ريع الدرداقة كل يوم يقابلني بفم محشو بالتمباك وأيدي مغموسة في صحن الفول وعلى مكتبه جهاز كمبيوتر حديث مفتوح على لعبة (السولتير الشهيرة) ..... ثم ماذا ؟ إلى سادتي .. من يهمهم الأمر ...ليس أمرنا ..امر الا يحدث انفجار هائل فى هذه الارض ... والله ظهورنا الخضراء و (النيه )لم تعد تستحمل .. فانزلوا منها بهدوء قبل أن تسقطوا ...... ليس لدى اقوال أخرى .