جاء في أخبار بداية العام الجديد أن مجموعة من قيادات حزب النور السلفي المصري قد انشقت عن الحزب وكوّنت حزباً جديداً اختاروا له اسم الوطن، والمعروف أن حزب النور السلفي المصري قد نشأ حديثاً بعد الإطاحة بنظام مبارك أوائل العام قبل الماضي وبالتالي فإن انشقاقه وهو من أحدث الأحزاب المصرية يثير مجموعة من التساؤلات التي تلفها الحيرة حول مستقبل الأحزاب السلفية في العالم الإسلامي. وقد أوردت تقارير صحفية أن حزب النور السلفي المصري قد نشأ أساساً بناءً على توصية صدرت من مؤتمر للسلفيين العرب انعقد في تركيا قبل نحو عامين، فإذا صح هذا فهو يطرح سؤالا آخر حول دور الرعاة والذين قدموا التوصيات لقيام الحزب وهل عجزوا عن إيقاف التدهور والخلافات التي ضربت قيادات الحزب مما دفعها إلى تأسيس حزب جديد؟ وهل يرضخ السلفيون العرب أصلاً لقيادة موحدة ومركزية تشرف على العمل السياسي في الأقطار العربية أو تقوم بمهام التنسيق على الأقل؟؟ ومن المعروف أن حزب النور السلفي الذي استند إلى قاعدة السلفيين المصريين قد حلّ في المرتبة الثانية في انتخابات مجلس الشعب المصري. وبعيداً عن الإجابات المحتملة للأسئلة السابقة؛ فقد قمت بزيارة مصر في يوليو الماضي 2012م وقد شمل برنامج الزيارة الالتقاء بقيادة حزب النور السلفي، وقد توجهت في أصيل يوم إلى المعادي حيث يقع مقر الحزب وقد رافقت الشيخ صديق علي البشير أمير جماعة الإخوان المسلمين الإصلاح، وقابلنا الدكتور عماد عبدالغفور رئيس حزب النور السلفي آنذاك وأبرز المنشقين عنه حالياً، فألفينا شاباً صبوحاً استقبلنا بحفاوة رغم أننا نقابله لأول مرة ورغم علمه بانتمائنا للإخوان المسلمين في السودان، وقد حدثنا الرجل حديث الخبير الممارس للسياسة وهذه خصلة قلما تتوفر في السلفيين العرب، واستطرد في استنكار المقارنة بين مصر وتركيا والفروقات بين الصحوة الإسلامية في البلدين كاشفاً عن أنه كان يعيش في تركيا ويعرف الأوضاع هناك جيداً، ثم تحدث الرجل بمرارة عن أشياء كثيرة، كان من بينها أن (المشايخ) يتدخلون كثيراً في عمل الحزب، وأن هناك فرقاً بين العمل الدعوي والعمل السياسي، والمفروض حسب رأيه أن يُترك لأجهزة الحزب وحدها تقرر مسيرة الحزب ويكون (المشايخ) رعاة للحزب وداعمين له معنوياً وفكرياً، ثم حدثنا عن عمل الجمعية التأسيسية للدستور وهو عضو بها، وشكى من تطاول العلمانيين المصريين على الشريعة الإسلامية واستعانتهم بالأقباط في سبيل ذلك، وعند وداعنا أهدانا الرجل نسخته الخاصة من كتيب يحوي كل الدساتير المصرية والمراسيم الدستورية منذ بداية القرن العشرين وحتى اليوم،وطلب ضرورة التواصل للتشاور في العمل الدعوي والسياسي. الانطباع الذي خرجت به في ذلك اليوم أننا أمام قيادة سياسية شابة للتيار السلفي في مصر، لكن ذلك حتماً لن يرضى عنه (المشايخ) الذين ذكرهم، وتوقعت أن ينشب صراع بينه وبين (المشايخ)، لكني كنت أتوقع انتصاره في هذا الصراع لا الخروج من الحزب وتأسيس حزب جديد بعيداً عن هيمنة (المشايخ). يُذكر أن الرئيس مرسي قد اختار الدكتور عماد عبد الغفور ليكون ضمن مساعديه، وهو منصب لا أظن أن السلفيين العرب قد وصلوا إليه خلال قرن من الزمان، وهذا يدل على أن الرئيس مرسي بالإضافة إلى استهدافه طمأنة السلفيين؛ إلا أنه لا بد قد وجد في الدكتور عماد عبد الغفور بعض الحنكة السياسية التي أهلته لمثل هذا المنصب الرفيع. مسألة انشقاق حزب النور السلفي تفتح الباب واسعاً للنقاش حول مستقبل الأحزاب السلفية في العالم العربي، ومدى قدرتها على دفع استحقاقات العمل السياسي والقدرة على السير في دهاليزه التي تختلف حتماً عن استحقاقات العمل الدعوي ووسائله وأساليبه، ومدى قدرة (المشايخ) على الصبر على الجيل الجديد من القيادات السلفية السياسية الشابة. وثمة تساؤل أخير؛ فإن نفس الذين أشاروا على السلفيين المصريين بتكوين حزب النور السلفي يقال أنهم أشاروا على السلفيين السودانيين بتكوين حزب سياسي سلفي في السودان، وأعني بالسلفيين السودانيين المجموعة الجديدة التي لا تنتمي إلى التيارات السلفية (الأصيلة) في السودان والمتمثلة في أنصار السنة بشقيهم وجمعية الكتاب والسنة والسلفيين غير المنتمين لجماعات بعينها. هذه المجموعة الجديدة رشح أنها تفكر في إنشاء حزب أو تنظيم في السودان، فهل يجعلهم انشقاق حزب النور السلفي في مصر يتريثون في هذا الأمر؟ أم بالعكس تجعلهم يستعجلون الخطى؟؟ لننتظر.