رفعت الطيب.. كم يساوي (الزول)؟! تقرير: محمد عبد العزيز هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته حالة من الصدمة والحيرة ستصيب قارئ الصحف بعد أن يطالع القراء مادتين تحريريتين حول دور وزارة الخارجية تجاه المواطنين السودانيين بالخارج، أولهما محير والآخر أكثر تحييراً وإرباكاً حيث كان الأول يتعلق بإجلاء الجالية السودانية من إفريقيا الوسطى بطائرة خاصة وفي معيتها عدد من الجنسيات الأخرى، الآن في ذات الوقت كان مواطنون سودانيون معتقلين من قبل قراصنة صوماليين لمدة ثلاث سنوات ويشتكون من تجاهل الخارجية لهم وحتى بعد إطلاق سراحهم لم تكلف نفسها أن تستقبلهم في سفارتها في كينيا أو حتى في مطار الخرطوم عند وصولهم. وبين إنجاز إفريقيا الوسطى الذي صفق له الجميع ورفعوا له القبعة، كان ما حدث للبحارة يشكل علامة استفهام كبيرة، حيث ظل البحاران عبدالمنعم وأحمد لمدة ثلاث سنوات مخطوفين من قبل قراصنة صوماليين دون أن تفعل لهما الخارجية شيئاً حسبما قالا، ولكن للأمانة فإن الخارجية تكفلت بمنصرفات رحلة العودة للخرطوم. كلاب ضالة ويروي البحاران بعد وصولهما للخرطوم ما حدث لهما من تجاهل طوال فترة الاختطاف حيث قالا أن الحكومة السودانية لم تسأل عنهما على الرغم من اتصالهما بسفارتي السودان بنيروبي ودبي حيث لم يجب أحد على الهاتف وحتى بعد إطلاق سراحهما أحضر لكل زملائهما من الهند وباكستان واليمن طائرات خاصة إلا هما لم يأتِ أحد لمتابعة حالتهما أو نقلهما لولا تدخل طائرة تابعة للأمم المتحدة التي نقلتهما إلى نيروبي، وعند الوصول وفي الصالة جاء السفير الفلبيني واستقبل زميلهما الفلبيني وجاء الغاني أيضاً وأخذ البحارين الغانيين معهما ويضيفا قائلين: أما نحن فكنا ك"الكلاب الضالة" لم يأتِ أحد من حكومتنا وسفارتنا بنيروبي لأخذنا وعندها جاء مسؤولو اتحاد البحارة العالميين وسألونا أين سفيركم؟ وقلنا لهم لا نعرف، لنقوم بعدها بالاتصال بالسفارة السودانية وبدل أن يأتي موظف من سفارتنا لأخذنا قالوا لنا "سنصف لكما مكان السفارة لكي تتمكنا من الوصول إليها"، وزاد محدثي بأن ما حدث يعتبر أمراً محزناً ليقوم اتحاد البحارة بأخذهما إلى مكان السفارة السودانية حيث استقبلهما موظفو السفارة فقط ولم يأتِ السفير، وأضافا أيضاً عند تجديد الجواز التقينا بالسفير الذي اكتفى بمصافحتنا ولم يسأل عن حالنا وعندما غادرنا من مطار نيروبي إلى الخرطوم عبر أديس أبابا واستقبلنا أهلنا لم يأتِ مسؤول واحد ليستقبلنا بل تمت معاكستنا في مطار الخرطوم في وثائق السفر. هنا تدخل محمد شقيق عبدالمنعم الذي يعمل في هيئة الموانئ البحرية وقال ل(السوداني) إنه حزن وغضب وقال إنهم اتصلوا بالخارجية وأرسلوا لها خطابات وأرقام القراصنة للتفاوض معهم ولكن لم يتجاوب المسؤولون معنا وقاموا "بجرجرتنا" بين القنصليات والسفارات السودانية بين دبي ونيروبي، وعندما اتصل بنا السفير السوداني بالصومال ليخبرنا باطلاق سراح البحارين قلنا له نحن لم نكن نعلم بأن السودان لديه سفير في الصومال، فقال إنه لم يكن يعلم بأن هنالك بحارة سودانيين مخطوفون لدى القراصنة. ويضيف بحسرة للأسف كان وزراء باليمن يقومون بالاتصال بنا ليطمئنونا على إخواننا، ويشدد محمد على أن الخارجية علمت بعد ثلاثة أيام فقط من قراصنة السفينة، وزاد: هذا أمر محبط لنا كمواطنين سودانيين. حملنا اسئلتنا وملفاتنا وتوجهنا لوزارة الخارجية لسؤالها حول دور بعثاتها وقنصلياتها فى حماية المواطنين، لنوجه بمقابلة مدير إدارة القنصليات والمغتربين السفير محمد عمر موسى الذى رحب بنا، وأكد أنه من أوجب واجبات الخارجية وبالتنسيق مع الأجهزة المختلفة رعاية المواطنين السودانيين بالخارج وحماية مصالحهم، ويقول موسى إن الخارجية وعبر بعثاتها الدبلوماسية تابعت قضية البحارة المخطوفين، وأن سفارة السودان بنيروبي طالبت بارسال دعم مادي لتغطية نفقات ترحيل البحارة للخرطوم، وأشار موسى إلى أن استقبال السفارة للبحارة وتعاملها معهم يكون وفقاً لظروف السفارة، مؤكداً أن المهم في الأمر أن الغايات تحققت ووصل البحاران سالمين لديارهما. ملف رفعت أما المواطن رفعت الطيب فلديه قصة أخرى تثير الكثير من اللواعج، قبل ثلاثة أعوام دهس سائق السفيرة البريطانية بالخرطوم موظفي أمن ببعثة اليونميس رفعت ومحمد المصطفى. الحادث استفز مشاعر أفراد البعثة السودانيين، وأدى لتجمهر المئات منهم حول البريطانيين بالسيارة، واحتجازهما فى أحد طوابق المبنى بعد إفراغ إطارات السيارة. ولم يستطيعا الخروج إلا بعد الخامسة مساء بعد تدخل شرطة البعثات الدبلوماسية واقتيادها للبريطانيين خارج حصار الغاضبين. أشار تقرير المشفى إلى إصابة الشابين السودانيين برضوض وكدمات متفاوتة، وذكر محمد المصطفى المصاب الثاني أنه أصيب بنزيف في الأذن الداخلية، علاوة على نيله حصة من الكدمات والرضوض، وأضاف أنه بعد خروجه من المشفى اتجه مباشرة لتحريك دعوى جنائية ضد البريطانيين في القسم الشرقي تحت الرقم 3844 بتاريخ 27 أغسطس 2008، وأضاف أن الشرطة أخبرته بأنها سترفع الأمر للخارجية لاتخاذ اللازم. رفعت الذي خنقته العبرة وقتها وهو يغالب الألم قال لي وهو على الفراش الأبيض إنه لن يتنازل عن حقه بأي شكل، مستبقاً أية محاولة للتسوية، مشيراً في ذات الوقت لقيمة الإنسان وتباينها بين الغرب والعالم الثالث، وقال (أريد أن أكتشف ماهي قيمة الإنسان السوداني لدى البعثة والحكومة السودانية والعالم أجمع، ولن أتنازل عن حقوقي ويا انا.. يا....). قصة عالقة مضت أعوام طويلة تنقلت فيها بين عدة صحف إلا أن القصة ما زالت في ذهني، أدرت رقم هاتف رفعت، انتظرت طويلاً وتوقعت أن يكون قد غير هاتفه، ولكن ثمة جرس تفاجأت به يرد عليّ، أعلمته بهويتي الصحفية، فتذكرني، سألته عما حل به، وعن إجابته لسؤاله عن قيمة الإنسان السوداني. قابلني بعدها والحسرة بادية على وجهه، ليبادرني بالقول "تصور لقد وجدت أنني لا أساوي إلا صفرا كبيرا". سألته عن سبب ذلك، فقال "بمجرد نشر خبر الحادثة وظهرت صوري في الصحف حتى تلقيت اتصالاً من موظف كبير بالخارجية سألني مباشرة بعد أن عرفني بهويتي (داير كم)؟!، دون أن يسأل عن حالي، فقلت له مليار. فرد الموظف سريعاً ما تتكلم كويس!، فرددت عليه سريعاً لست عربة تحطمت ليتم إصلاحها إنها كرامة مواطن سوداني". ويواصل رفعت حديثه ويقول: نشر في صحف اليوم التالي خبر عن زيارة الناطق الرسمي للخارجية للمصابين، وهنا شعرت بالحيرة فلم يزرني أحد!، من الخارجية، ولكن في المقابل زارني اتحاد المحامين برئاسة الراحل فتحي خليل نقيب المحامين في ذلك الوقت حيث أصدر بياناً صحفياً معلناً فيه رفضه للحادثة، وشن فيه النقيب خليل هجوماً عنيفاً على السفارة البريطانية بالخرطوم والسيد أشرف قاضي، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة وعلى الخارجية السودانية أيضاً. وقال في تصريحات صحفية إبان زيارته ووفد اتحاد المحامين ندين بشدة موقف وزارة الخارجية السودانية التي لم تعر الحادث أي اهتمام حتى الآن، وتابع إذا كانت الحكومة السودانية لا تدافع عن كرامة الشعب السوداني، فينبغي عليها أن تذهب، وقد نشر التصريح فى عدد من الصحف. وأوضح نقيب المحامين الراحل فتحي خليل أن ما تعرض له الحارسان السودانيان في مبنى اليونميس، بناءً على أقوال الشهود وأقوال المصابين يُعد شروعاً في القتل بتوافر كل أركانه. وأكد فتحي خليل أن المصابَيْن الآن في مستشفى الفيصل يتلقيان العلاج وقاما بفتح بلاغ ضد المعتدين، مشيراً إلى أنهم سيتابعون إجراءات البلاغ بعد تكليف المحامين عبدالعزيز ومحمد وعماد (تكتفى السوداني بإيراد الأسماء الأولى فقط). فاجأني رفعت باحتفاظه بارشيف صحفي كامل لكل ما نشر عن حادثته، ولم يحوجني لسؤاله عما فعله المحامون، فقال القضية لم تتحرك من مكانها ولم يفتح الله على المحامين بشيء، أحد موظفي الخارجية اتصل بالمحامين فأخبرهم بأنه ترك القضية فسأله هل أخطر الموكل فقال لا. أما المحامي المكلف بمتابعة القضية من قبل نقابة المحامين فاجتمع برفعت في مكتبه بالسوق العربي، وأشار إلى أنه سيطالب بمبلغ 120 ألف دولار كتعويض لما لحق برفعت، إضافة ل40 ألف دولار كاتعاب محاماة. لم يمض كثير وقت على ذلك، حتى بدا المحامي يرد بفتور على مكالمات رفعت الباحث عن قيمة الإنسان السوداني لدى حكومته وأجهزته المختصة، ثم لم يلبث أن بات يرفض حتى استقبال المكالمات، ليؤكد انتهاء رصيد الإنسان. استعان رفعت لاحقاً بعدد من المحامين ولكن سرعان ما تخلوا عن قضيته، آخرهم تخلى عن القضية بعد أن علم بتعرض سيارة رفعت المتوقفة أمام منزله لرصاصة اخترقت السيارة بشكل طولي، ونصحه بالتنازل عنها، لاحقاً اتصلت على ذات المحامي فقال لي باختصار: "الموضوع ما مشى قدام كل ما تقدمنا إلى الأمام تراجعنا إلى الوراء، ولمزيد من التفاصيل أرجع لرفعت". لفت رفعت نظري لمقال نشره الكاتب الصحفي المعروف يوسف الشنبلي في ذات الوقت حول إشارته لتصريحات مدير المراسم بالخارجية وقتها الذي اعتبر ما حدث يرقى لجريمة الشروع في القتل، وأشار الشنبلي إلى أن حديث الخارجية القوي يحتاج لترجمته لإجراءات قانونية خاصة أن اتفاقية فيينا الخاصة بحماية البعثات الدبلوماسية لا تحمي من الجرائم الجنائية، ويشير الشنبلي إلى واقعة صفع وزير الخارجية أحمد خير لملحق عسكري لدولة غربية بعد أن تجرأ وسأله (لماذ لا تمنحون الجنوبيين حكماً فيدرالياً)، ليتم سحبه لاحقاً بواسطة بلاده بعد أن تقدمت باعتذار للسودان. حق التعويض لاحقاً نشرت الصحف خبراً صغيراً عن أن السودان قام بإبعاد الحارسين البريطانيين، إلا أن معلومات أخرى أشارت إلى أن فترة عملهما بالسودان قد انقضت، وأنهما قد رحلا لوحدهما، ورويدا رويدا خبا التسليط الإعلامي على القضية ووصل حد التلاشي من دائرة الاهتمام. في المقابل فإن وزارة الخارجية التي استقبلت رفعت بحفاوة وأعلنت دعمها لرفعت، وقال موظف كبير في الخارجية بقسم الحصانات وهو يستقبله فى مكتبه إن الحكومة لن تدخر جهداً في الدفاع عن مواطنها وأنها ستقف معه من أجل حقوقه القانونية ضد السفارة البريطانية، غير أن الخارجية نبهت رفعت إلى أن رقم التعويض المذكور فى عريضة المحامي مبلغ خيالي (تو ماتش)، واقترحت عليه في المقابل الوصول لتسوية الأزمة وحلها بصورة ودية، بواسطة الخارجية بينه والسفارة، على أن يقوم رفعت بقفل ملف القضية وشطب البلاغ. بعد أيام وجد موظف آخر سأله عما حدث للقضية فأخبره بأنه قام بشطب القضية كما طلبوا منه، فقال له "شطبتوا ليه؟َ حقك راح!"، فضحك رفعت، ورد عليه بأنه ليس من السهل خداعه، وأنه عندما كانت القضية ساخنة إعلاميا كان يتم ترك اسمه في الاستقبال ولكنه منع من دخول الخارجية لمتابعة القضية، وأنه لن يتنازل عن قضيته. لاحقاً نجح رفعت في الدخول للخارجية التي منع من دخولها فقابل المسؤول الذي طلب منه شطب القضية، فاستقبله ببرود شديد هذه المرة عكس المرة السابقة، وتحدث معه بلامبالاة وهو ينشغل بمتابعة نشرة قناة الجزيرة من على الشاشة الكبيرة التي تم تركيبها حديثاً في مكتبه، وطلب منه التوجه للأرشيف لمتابعة القضية دون إبداء أدنى اهتمام أو أي تبرير. أثناء تردد رفعت على الخارجية اكتشف أن الحارسين قاما قبل حادثته بمضايقة ضابط وتعاملا معه بطريقة استفزازية، فلم يحتمل الضابط هذا التعامل فقام بردعهما كما يجب واقتلع لوحة سياراتهما وسلمهما للخارجية للتعامل مع الأمر وحسم هذه التصرفات، ولكن يبدو أن ذلك لم يحدث ليقوما بعدها بأيام بدهس مواطنين. صوت الخارجية ويرى البعض أن الخارجية لم تعد كسابق عهدها فى رعاية مصالح السودانيين، وهو أمر تنفيه الخارجية مؤكدة على أنها تقوم بعملها كما يجب. يقول البدلوماسي السابق نجيب الخير ل(السوداني) إن الدبلوماسية السودانية غائبة في كل المحافل وعن هموم السودانيين المقيمين في الخارج لضعف الكفاءة في نوعية الدبلوماسية، مضيفاً بأن الكوادر تفتقد في التعامل القنصلي وتحتاج لإلمام بالتزام السودان باتفاق فيينا مشيراً إلى أنه عند الإساءة لمواطن كرمي جواز سفره مثلاً، يمكن أن يتعرض السفير المعني للطرد لأنه أساء للسودانيين. ويشير الخير إلى أن الدبلوماسية التي لا تحترم رعاياها تقلل من قيمة الوطن وتوصل المواطنين لحالة من الإحباط وفقدان الثقة فى قيمة الانتماء. ويؤكد مدير إدارة القنصليات السفير محمد عمر موسى على أن الخارجية وعبر بعثاتها المختلفة ووفقاً لما هو متاح من إمكانات تقوم بدورها كما يجب تبعاً لإمكانات كل بعثة والتي تحكمها طبيعة العلاقة الدبلوماسية. ويشدد موسى على أنه إذا شعر أي مواطن سوداني بالإهانة من أية بعثة دبلوماسية خارجية عليه أن يشتكي لقيادة البعثة المعنية، وإن لم ينصف فعليه التوجه للخارجية، ويشدد على أن أبواب الخارجية مفتوحة للاستماع للمظلمات باعتبار أن الخارجية والعاملين بها حريصون على خدمة المجتمع، ويؤكد موسى في ختام حديثه على حرص الخارجية على سلامة المواطنين داخل وخارج السودان وتقديم الحلول لمشكلاتهم بالتنسيق مع كافة الاجهزة المختصة. في الختام اعتقد ان ثمة مسارين إما ان ملف رفعت انتهى إلى لا شئ بحيث تصبح قيمة المواطن الانساني صفرا كما توصل لذلك رفعت بنفسه، او ان الملف فيه نبض يمكن ان يقود لتصعيده مجددا لاعادة الاعتبار للمعادلة المختلة.