تلقيت عدداً من الرسائل والاتصالات تعقيباً على عمود الأمس بعنوان (الى النائمين على آذانهم)، كنت أظنه سيمر عابراً كما مر الكثير من الصيحات في (مالطا الطناش) السودانية! مصدر ظني أن الشعب السوداني استنفد رصيده من الدهشة وفقدت علامات التعجب دلالتها التعبيرية في الدعوة للتأمل. في السابعة من مساء الأمس فأجاني اتصال هاتفي لرقم مجهول لدي، الصوت المنخفض أشعرني أن المتحدث لا يريد أن يصل ما يقوله لي لأي أذن ثانية فقد كان الحذر باديا على نبراته! عرفني بنفسه (ع.ع) محدثي كان يرسل صوته الخفيض من داخل أحد سجون الخرطوم الكبرى، الرجل قال إنه ظل قابعاً بالسجن لمدة أحد عشر عاماً دخل إليه على حكم يبقى الى حين السداد وعمره 35 عاما والآن بلغ ال46! هناك اعتلت صحته ولم يبق من نور بصره إلا القليل. كل ما تبقى من المبلغ الذي عليه34 ألف جنيه فقط! الغريب جدا، أن محدثي لم يتصل علي لينقل رجاءاته الى أهل البر والإحسان أو ليسجل شكوى تخصه ضد جهة ما، رغم أنه – عرضا- حدثني عن ممارسات تتم داخل السجون يحتاج نشرها الى توثيق أكثر وأدلة قوية لكن قضية محدثي أنه قرأ مقالي وتعليقي على ملف التنصير داخل الخرطوم، وأراد أن ينقل لي معلومات مهمة وحساسة من داخل السجن، ولكنه طلب مني تعهدا والتزاماً قاطعاً بعدم نشر اسمه، لأن ذلك سيترتب عليه عقوبات لا يطيق احتمالها. قال محدثي إن بعض المبشرين يأتون الى السجن لزيارة معتنقي الديانة المسيحية من المساجين يأتون محملين بالهدايا والطعام وحتى (كور القدم) وأن أحد القساوسة يشرف على فريق داخل السجن يطلق عليه اسم (فريق السلام)..! الى الآن الأمر طبيعي، وفقاً للحقوق المكفولة لهم كمسيحيين سودانيين ولكن الجديد أن هذه الزيارات في الفترة الأخيرة أصبحت مدخلاً لتنصير بعض المساجين المسلمين عبر تقديم العون والمساعدة لأناس لا يملكون حق كباية الشاي داخل السجن، مساجين من رقيقي الحال يرون المسيحيين يعتنون ويشعرون بأوجاع أهل ملتهم، بينما وهم في سجن دولة ترفع راية الإسلام لا تزورهم منظمات ولا جهات إسلامية تعينهم على ما هم فيه وتخفف عنهم معاناة السجون! المسلمون الذين يتعاملون معهم هم ضباط وجنود الحكومة لا يجدون منهم سوى العقاب بالجلد والاحتجازات الانفرادية وقليل من العناية والمعينات على البقاء أحياء لا يرزقون! وحكى لي قصة قريبه(محمد. ق.م) من أبناء الولاية الشمالية، كيف تنصر داخل السجن وتم إطلاق سراحه بعد أن قامت الكنيسة بدفع ما عليه من مبلغ مالي! وقال لي إن ديوان الزكاة لا يهتم إلا ببائعات الخمور البلدية وأصحاب الغرامات المحدودة ويعرض ذلك للإعلام كجزء من إنجازاته الباهرة! المشكلة بل الأزمة الحقيقية، أن ما قيل وبحكم السوابق، سيتم التعامل معه على النحو التالي: اولاً: ستشدد إدارة السجون إجراءات دخول القساوسة وستضاعف ضوابط منع استخدام أجهزة الموبايل وسترسل للصحيفة توضيحا عبر الناطق الرسمي باسم الشرطة ينفي الوقائع ويؤكد مثالية الأوضاع داخل السجون ! ثانيا/ سيصدر ديوان الزكاة بياناً يوضح مساهماته في الإيفاء ببند الغارمين. ثالثاً/ ستخرج بعض الأصوات المتشددة لتتحدث عن العقاب والردع للمنصرين وتطبيق حد الردة على الخارجين عن الملة. كل ذلك لن يعالج الأمر ولن (يقرع الإبل الواقفات) ولن يوقف عمليات التنصير التي تستغل وهن انتماء البعض للإسلام وانهيار الرمزيات الدينية لديهم وعدم وجود القدوة التي تحمل الإسلام بروحه السمحة المنحازة للفقراء والمساكين وضعيفي الحال(لكل شيء مفتاح ومفتاح الجنة حب المساكين) صدق رسول الله! قال أحدهم- وهو صادق- إن بعض المسلمين يستفزهم شعر امرأة سافرة ولا يحرك شعرة في رأسهم صوت امرأة تتضور من الجوع وأنين زغب صغار لا يجدون قوت يومهم!! الحركات والجماعات الإسلامية في سودان الأزمة الاقتصاية واستئساد الفقر؛ عليها حماية إسلامنا الذي لم يتراجع منذ عبدالله بن السرح عن ابتدار دعوة الآخرين الى رجعية الدفاع عن الذات إلا في هذه الأيام، حمايته بالاقتراب من أوجاع وآلام الفقراء من المسلمين وتوفير مصل فكري وقائي ضد مروجي الظنون والشبهات. الإسلام يحمى بالتخطيط والسياسات (المعمولة بحب)؛ لا بالهتافات والشعارات والعبوات الناسفة!!