إبراهيم حسن العوض/ أم دوينة جاء في الأخبار أن السيد والي ولاية الجزيرة، البروفسور الزبير بشير طه، غَضِبَ غضبةً لم يغضب مثلها أبداً وذلك لما لَحِقَ من ظلم وعنت ومشقة بأبناء ولايته والمزارعين جراء التجارب التي تقوم بها الدولة من وقت لآخر؛ وهي تائهة تتلمس طريقها لحل مشاكل مشروع الجزيرة. نحن بدورنا نُثَمِّن هذه الغضبة وهذا الشعور، ونقول أن كل سكان ولاية الجزيرة تغلي صدورهم غضباً وغيظاً وهم يتساءلون في حيرة عن الجرم الذي ارتكبوه حتى يعاقبوا بتدمير مصدر عيشهم ومعاشهم. وإن بلغ بك الغضب سيدي الوالي أن رَفضْتَ معاملة سكان الولاية كفئران التجارب، فنحن نقول أن الدولة ومتخذي القرار ينظرون دائماً إلى مشروع الجزيرة ماءاً وأرضاً بلا سكان، أو، بمعنىً أدَق، لا يأبهون لما يصيب ساكني المشروع والمشتغلين فيه من الضرر وما ينتج عنه من البؤس والشقاء، في الوقت الذي يفوق فيه عدد سكان محلية، كالحصاحيصا أو المناقل، سكان ولاية بأكملها لكثير من ولايات السودان. إن الولاية التي تتولى أمرها سيدي الوالي أكثر من 90% من مساحتها هي المشروع، وجل، إن لم يكن كلّ، ساكني الولاية هم إما مزارعون أو مرتبطون بالزراعة، ومع ذلك تؤول إدارة المشروع ومفاتيح التحكم فيه بعيدة عن سلطة الولاية، إذن ماذا يحكم الوالي في الجزيرة؟ القضاء مستقل وهو مركزي، الجامعات والمعاهد العليا تتبع للتعليم العالي وهي وزارة اتحادية، طريق الخرطوم ومدني وامتدادة لبورتسودان والدمازين طريق قومي؛ ماذا تَبَقَّى إذن؟ أهي إدارة أراضي الجروف وأسواق المحليات والطرق بين القرى؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته) وأنت راعي ومسؤول ووالي منتخب، ورعيتك مزارعون، والله سائلك عنهم يوم القيامة؛ يوم لا ينفع مال ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم كما قال الله تعالى. فأمر مشروع الجزيرة هو أمر والي الجزيرة، وأركان حكومته والمجلس التشريعي، أما قومية المشروع فهذه زمانها فات وغنايها مات. كانت الجزيرة جزءاً من الإقليم الأوسط الذي كان يضم كل وسط السودان؛ من بتري شمالاً حتى حدود أعالي النيل جنوباً، ومن القضارف شرقاً حتى أم روابة غرباً؛ في ذلك الوقت كانت الحكومة في مدني عاصمة الأقليم غنية، تعطي ولا تأخذ، لذلك لم تتأثر سلباً. ومشروع الجزيرة يذهب ريعه للخزينة العامة في الخرطوم. أما وقد تبدل الحال وتأثر الأقليم الأوسط وفقدت الحكومة في مدني الموارد الكبيرة بقيام ولايات جديدة في الدمازين، وسنار، والدويم، والقضارف؛ وصارت حدود ولاية الجزيرة تقريباً هي مساحة المشروع، بعد ذلك كله يريدون القول أن المشروع قومي؟ مالكم كيف تحكمون؟ الآن أصبحت موارد ولاية الجزيرة محدودة، موردها الوحيد ومصدر دخلها هو المشروع، والمشروع مخنوق ومكبل ومعطل وحرامٌ على أهله الانتفاع منه بالطريق التي يعرفونها، إن حل مشكلة المشروع لا تأتي من طرف اللجان ولا التقارير ولا التوصيات لأنها إن صدقت فقد تُوضَع في الأرفف، أو تكون لها لجان تنبثق عنها لجان لتُقَيِّم عمل اللجان المنبثقة! أما مسألة قانون 2005م فهي معركة في غير معترك، ويبدو أن الحكومة قصدت التهرب من التمويل وكان لها ما أرادت. الحل واضح سيدي الوالي، والطريق قصير من مكتب الوالي بمدني إلى القصر الجمهوري بالخرطوم، رمز السيادة ومحل القرارات القومية؛ خط مباشر يأتي بموجبه الوالي بتفويض كامل من القصر أن إفعل ما بدا لك في أمر المشروع، فإننا نثق بكَ وبأهل الجزيرة وكُن كما نظن. وإن قالوا لك سيدي الوالي ليس لنا مال نعطيك إياه، فقل نعم، واقبل ولا ترفض. بعدها سيدي الوالي ادعو أهل الولاية من المختصين في الزراعة والري والإقتصاد وعلوم الإدارة، فهم كُثر، ومن خيرة أبناء السودان في هذه المجالات. ولا تنس المزارعين وأهل الحكمة لتجد منهم جميعاً بإذن الله الحلول العلمية والعملية الناجعة لأنهم أهل وجعة. سدد الله خطاك وأقل الله عثرة مشروع الجزيرة. .