" ما تيأس ... خلينا نعمل البنقدر عليهو والباقي خلي ربنا بصرفوا أحسن تصريف إن شاء الله " ... كم هي قوية هذه الكلمات قالها والدي رحمه الله وأنا أذرف الدمع على حاله حينما كنا في رحلة إلى مصر في محاولة منا لمحاصرة ذاك المرض القاتل الذي ألم به ... تلك الليلة لم استطع فيها أن اتحكم في مشاعري وخذلتني مقلتي وأبت دموعي أن تنكتم وانفلتت تسرح في وجهي ولم اتمكن من تمالك نفسي أمام والدي إلا حينما شجعني بتلك الكلمات ... " للأسف المرض انتشر يا د. خالد ... إحنا حنحاول نوقف المرض لحدي هنا ونأمل إنو ما يتطورش " قالها الطبيب المصري بعيادته وهو ينظر إلي, ووالدي في صالة الانتظار ... تجمدت مكاني ولم أستطع أن أرد على الطبيب الذي كان يتحدث معي كزميل متجاهلا ً أن ذاك المريض هو أبي ... يائسا حاولت الرد عليه ... ثم كأنه لم يكفه ما قاله باغتني بجملة كالصاعقة "باباك يا د. خالد مش متوقع إنو يعيش كتير" حينها كأنني حاولت أن أبتلع حجرا ... كم هو مؤلم حقا ً أن أرى والدي يحتضر أمامي "ليس للحظة" بل طيلة سنتين من عمره ... عانى فيها أشد العناء ...صبر حتى انتهى صبره ... علم بأنه لا محالة راحل ... وهن جسمه وخارت قواه رويدا رويدا ... حزن لفراقنا قبل أن نحزن لفراقه ... لكم هي مواقف قوية من جسم هزيل هده المرض ولكن روحه لم تنهزم ... عذراً والدي ولكني دوما أتذكرك لحظة ضعفي ومرضي ... أتذكرك وأنت تمسح رأسي بالمكمدات وتقرأ لي ما تيسر من القرآن والقلق بادٍ عليك من حمى التهاب يعصف بي من حين لآخر ... كل ذلك وأنت تكافح مرضك وتعاني أشد المعاناة ... ولكنك كنت حق الأب حتى الممات ... والدي.. وأنا اليوم أحمل حفيدتك الأولى وهي تبتسم فرحةً مطمئنة , أتذكر صورتك وأنت تحملني والابتسامة بوجهي غير آبه بأحد وغير خائف ... والدي ... ها أنا اليوم أقف لك وقفة تحية واحترام ... حب واشتياق ... وأدعو المولى عزّ وجل أن يرحمك كما ربيتني صغيرا ... وأن يدخلك الجنة دون حساب ويعوضك دارا ً خيرك من دارك وأهلا خيراً من أهلك ... د. خالد محمود السيد مدير طبي مناوب – مستشفى إمبريال