يذكر أن زوجين أسسا مشروعا تجاريا كلفهما مليون دولار لم يلبثا أسبوعا إلا وخسرا كل هذا المبلغ الكبير وبعد تلك الهزيمة لم يبقيا أسيرين لتلك الكارثة, وكانت النجاة عن طريق سؤال (ذهبي) مفاده كيف نستفيد من الأزمة ونحسن أوضاعنا ؟ فألفا كتابا بعنوان (كيف تخسر مليون دولار في أسبوع؟) وقد حقق مبيعات تجاوزت المليون دولار ! إنه فن تحويل الخسائر إلى مكاسب والفشل إلى نجاح والقوة إلى ضعف. إن من الكياسة والفطنة وقوة الشخصية عدم الانهزام للظروف والانطراح على عتبات العقبات بل مواجهتها ومحاولة مغالبتها بالأسئلة (الذهبية) والتفكير الإيجابي وعدم اليأس والإحباط . إن تحويل الأزمة إلى فرصة للنجاح والتفوق والتأثير النافع لا يتأتى إلا إذا أحْسَنَّا إدارتها، وتمكنَّا من القضاء على أكبر قدر ممكن من الآثار السلبية لها، واستطعنا التحكم (إلى حد كبير) في توجيه دفة هذه الأزمة والسيطرة على آثارها. فمن الصعب منع الأزمات من الوقوع، أو تحديد وقت الانفجار لأي أزمة، ولذلك تتسمُ الأزمات بعنصر المفاجأة، وعندما تقع الأزمة، لا يستطيع إلاَّ قلة من الناس التعامل معها بهدوءٍ ورباطة جأش ، فلو أخذنا (وفاة النبي صلى الله عليه وسلم) التي تعد من أصعب الأزمات التي مرت بالأمة الإسلامية على الإطلاق وأخطرها ، ولنر كيف تعامل معها القائد أبوبكر الصديق رضي الله عنه برباطة جأش أخرجت الأمة من فتنة لا يحمد عقباها ! فبمجرد ظهور طلائع الأزمة، يكثر القيل والقال وتتناقل الشائعات ، وتجد للحادثة الواحدة ألف قصةٍ وقصة ، فيحتار اللبيب ويعجز عن معرفة الحقيقة الأريب، ويعيش المجتمع (الأزموي) حالةً من البحث عن الحقيقة. وهنا يأتي دور الدولة في تمليك المعلومة أولا بأول بشفافيّة عالية حتى تغلق باب (القيل والقال) ورواج الشائعات. فكثير من (أزماتنا) قد يكون لنا فيها (خيّرة) وخيراً وفيرا تغيّر من حياتنا إلى الأفضل ، تخطر في ذهني كثيراً قصة أم موسى ؛ (فَرَوعَها) على ضياع طفلها في البحر حتى صار فؤادها كما وصفه الله سبحانه " فارغاً " عن كل شيء إلا من التفكير فيه ! كانت تلك المصيبة (في ظاهرها) خيراً لها وله ، فكيف كان سيصل إلى قصر فرعون حتى يحظى بحمايته من القتل لولا المرور عبر قنطرة الابتلاء ، فالقرآن يعلمنا في كثير من المواقف عظمة ما نخرج منه من البلاء والمحن (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) ) سورة البقرة. هناك قصة مشهورة عن رجل حكيم سافر مع رفاقه، وكان كلما وقع له أمر لا يعجبه رضي وقال " خيّرة " وتكررت منه الكلمة بتكرر المواقف إلى أن ضاق منه رفاقه وأرادوا ممازحته، فاتفقوا على إخفاء بعيره، ثم يخبروه أنه شرد ولم يجدوه ، فما كان منه إلا أن أجاب الجواب المعروف مسبقا( خيّرة) تفاجأوا بقوله ثم ضحكوا على (بروده) ومقابلة (الأزمة والمحنة) ، وفي الليل هجم عليهم مجموعة من قطاع الطرق فأخذوا جمالهم بأحمالها وهربوا فلم يستطيعوا اللحاق بهم ، فما كان منهم إلا أن أخرجوا جمل صاحبهم بحمله من مخبئه وهم يصيحون (خيرة ، خيرة) القصة فيها أكثر من مغزى ، فكثير من الأزمات والمحن تحولت إلى نجاحات وكان من ورائها (خيراً) كثيراً . حكى لي قبل أيام أحد الأصدقاء الذين تعرفت بهم من (الأسافير) قائلاً : إنه أصيب بحادث سيّر أدى إلى إصابته في إحدى أطرافه ، فسافر للعلاج الى خارج السودان ، فبعد أن شفي حمل معه بعض (الأغراض) للتجارة لكي تغطي له بعض من مصروفات العلاج ، فكانت (فتحاً) له لمواصلة تجارته التي (توسعت) وبدأ يتردد من بعد هذه (الحادثة) على ذاك البلد ويتاجر في كثير من المستلزمات التي (درّت) له ربحاً كبيراً ، حتى جعلته في مصاف رجال الأعمال. فنحن ين ننظر إلى الأمور بمنظورنا (القصير) نتألم ونتضايق ونتضجر من أشياء كثيرة ونتمنى إن لم تكن ، ولا ندري لعل الله سبحانه وتعالى كتب لنا في ثنياها الخير الوفير. =