** ما وراء الخبر، أهم من الخبر..إعفاء مدير عام أراضي الجزيرة لتأخيره إجراءات المستثمرين وعمليات التنمية بالولاية، هكذا خبر الجمعة بالسوداني وأخريات، وليس فيه ما يدهش، إذ تقاعس أحد الموظفين بالخدمة العامة عن أداء واجبه كما يجب وأعفته الأجهزة المسؤولة عن رقابة الأداء ، (خبر عادي).. ولكن، ما وراء الخبر يتجلى في تعليق مدير الأراضي على قرار الإعفاء، إذ يقول بالنص : (قرار تعييني تم من قبل الوالي، وهو الموقع على عقد التعيين، وأنا منتدب من قبل وزارة العدل، ووزير التخطيط العمراني أنهى العقد وليس الانتداب)، هكذا تعليق المدير..(في حد فاهم حاجة؟)، أنا اليوم في أضعف قواي العقلية..!! ** بمعنى، هل لا يزال هذا المسؤول يشغل منصب مدير أراضي الجزيرة بعقد الوالي وانتداب وزارة العدل (حسب كلامو)، أم لم يعد يشغل ذاك المنصب حسب قرار وزير التخطيط العمراني؟..ثم السؤال المهم، كيف يتم توقيع عقد عمل مع عامل يعمل بجهة أخرى (في ذات الخدمة العامة)، ومنتدب من قبل هذه الجهة؟..فالذي نعرفه - بالفطرة قبل اللوائح - أن العامل المنتدب من جهاز حكومي إلى جهاز حكومي آخر يظل محتفظاً بدرجته الوظيفية وبكل ما فيها من حقوق في الجهاز الحكومي الذي ابتعثه إلى هناك (منتدباً مؤقتاً)، وما عليه إلا أن يؤدي مهام (المنصب المؤقت)، حسب قوانين ولوائح هذا المنصب حتى يغادره ويعود إلى ذات الجهة التي انتدبته، فأين موقع هذا العقد الخاص في هذا الإجراء الروتيني المعمول به - من زمن الإنجليز - في كل أرجاء البلد؟. وسؤال أخير، في إطار استيعاب ما وراء الخبر، كيف - ولماذا؟، ومنذ متى؟ - يوقع الولاة على عقودات عمل ذات صلة بالخدمة المدنية؟.. فالذي نعرفه - بالفطرة قبل الدساتير- أن منصب الوالي من المناصب السياسية والإشرافية، ويجب أن يكون بعيداً عن مفاصل وتفاصيل الخدمة المدنية التي تدار بوسطة الوزارات المختصة و(وكلائها ومدرائها)..وبتلك المعرفة، من يجب عليه توقيع عقودات العاملين بالخدمة المدنية هو وكيل أو مدير الوزارة المسؤولة عن الأراضي، وليس (الوالي شخصياً).! ** تعليق مدير الأراضي على قرار الإعفاء - بغض النظر عن سلامة القرار من عدمها - يكشف أن السلطات السياسية بالبلد لا تزال (تجهجه باكات الخدمة المدنية)، وذلك بالتوغل في أوصالها لحد التوقيع على عقودات عمل العاملين، أو كما قال مدير الأراضي (أنا عقدي موقع عليه الوالي)، وهذا يعني أن وزير وزارته غير مسؤول عنه، ولا مدير وزارته أيضاً، ولا مدير الإدارة التي يتبع لها بالوزارة، وهنا مكمن خطورة توغل السلطات السياسية - والياً كان أو غيره - على الخدمة المدنية..نعم، هنا يتجلى الإحساس بتركيب (مكينة والي)، وهذا الإحساس يمنح هذا المدير الحق في عدم الانصياع لقرار الإعفاء الصادر من وزارته، وكذلك يمنح أي عامل بالخدمة المدنية - حتى ولو كان خفيراً بإحدى مدارس الأساس - حق رفض القرارات وعدم احترامها لو كان الموقع على عقد تعيينه مسؤول سياسي بقامة (والي)، وما فوق..هكذا يتم تخريب الخدمة المدنية (أكتر من كده)، أي بإعلاء بعض كوادرها بعقودات عمل طرفها الآخر (مسؤول سياسي).. المهم، سيادته مدير أراضي بعقد الوالي وتعيينه، أو كما قال، وفي ذات الوقت معفي بقرار الوزير كما قالت الصحف، وفي خضم هذا العبث نسأل: (الزول ده مدير ولا ما مدير؟).. وما هذا السؤال إلا لعكس نموذج من نماذج (الفوضى مدنية)، وهي التي كانت مسماة في العهود الفائتة (الخدمة مدنية).!