الخروج من هذه الازمة التي نعانيها لا يتحقق الا بتحقيق العدل فالظلم الذي وقع على البلاد والعباد لا يعلمه الا الله فاذا كان قادتنا يريدون حقا لهذا السودان أن يتقدم فليعدلوا بين الناس حتى يمن الله علينا بالامن والسلام والرفاهية، فالله عز وجل ينصر الدولة الظالمة وان كانت كافرة ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة فالمرحلة تقتضي من قادتنا أن يقفوا بأنفسهم على احقاق الحق في كل بقعة من هذا الوطن ورد كل مظلمة . فالعدل مكن للإسلام من البقاء في بدايته الاولى عندما كان المسلمون الاوائل ضعفاء وأذِن النبي صلى الله عليه وسلم لهم بالهجرة الى الحبشة .. "الى ملك لا يظلم عنده أحد" كما اخبرهم بذلك، وهو (النجاشي) وكان على النصراية ، وبالعدل امنه المسلمون على انفسهم وأعراضهم فكيف بالاسلام عندما يُظلم الانسان ويُعتدى على ماله وعرضه وآمنه؟ . لا ننكر أن إحقاق الحق في السودان بمساحته الواسعة قد يكون صعبا وطويلا لكن ذلك لا يعني أن لا يتم تحقيق ذلك ولتكن البداية بالمظالم التي وجدت طريقها الى الإعلام فما اكثر النزاعات حول الاراضي في السودان وما اكثر القضايا التي تنتظر الحكم في عدد من القضايا الاخري بل هناك محاكم تنتظر أن يفصل فيها لسنوات، لا اعرف حقيقة سبب تأخير الفصل في قضايا تمتد لسنوات خصوصا قضايا القتل، فتأخير النطق فيها يكون له تأثير كبير على الأسرتين أسرة القاتل والمقتول ويولد مزيدا من الاحقاد ويظل يلهب في جمر القضية، لذلك فالمسارعة في الحكم في مثل هذه القضايا تساعد كثيرا في طي ملفاتها ونسيانها لتتواصل مسيرة الحياة. اما القضايا التى وصلت الى حد النزاع المسلح اذا كان بين القبائل في دارفور، مثلا، او لنزاع بين الحكومة ومواطني هذه الولايات كما في جنوب كردفان والنيل الازرق ودارفور تحتاج كذلك للعدل من اجل الخروج من هذا المأزق بضرورة مراجعة المشكلة وتشكيل جهات للنظر في سببها مهما كلف ذلك لمعرفة الضرر الذي حدث طوال سنوات النزاع وكيفية التعويض ومن اجل جلوس المتصارعين من اجل حل عادل يرضي جميع الاطراف فلا توجد مشكلة ليس لديها حل ونحن السودانيين نتسم بالعفو والصفح فاعتذار رقيق يجعل منا نتنازل عن حبل المشنقة . لكن الايمان بالقضية وبضرورة حلها حلا نهائيا وبتراضي جميع الاطراف يؤمن عدم العودة ثانيا للمشكلة والصراع فلا شيء يستحق أن نتصارع عليه ويقتل الانسان اخاه الانسان مهما بلغ. عندما زرت اندونيسيا الاسبوع الماضى وشاهدت جمال البلاد والطبيعة والامكانيات التي حباها الله بها تذكرت السودان قلت في نفسي "على ماذا نتصارع نحن ؟ كان الاولى بأهل هذه البلاد أن يتصارعوا أما نحن فلا يوجد ما يستحق أن نتصارع عليه" . ولنا في قصص التاريخ الاسلامى العبر، تأمل معي هذه القصة.. رُوي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمع صوت صبي يبكي , فتوجه ناحية الصوت فقال لأمه التي تحاول إسكاته : اتقي الله واحسني إلى صبيك ثم عاد إلى مكانه فارتفع صراخ الصبي مرة أخرى , فعاد إلى أمه وقال لها مثل ذلك , ثم عاد إلى مكانه , فلما كان في آخر الليل سمع بكاءه , فأتى أمه فقال عمر رضي الله عنه في ضيق : ويحك إني أراك أمِّ سوء , ومالى أرى ابنك لا يقر منذ الليلة ؟ قالت الأم في حزن وفاقة : يا عبد الله قد ضايقتني هذه الليلة إنى أدربه على الفطام , فيأبى . قال عمر رضى الله عنه في دهشه : ولم ؟ قالت الأم في ضعف : لأن عمر لا يفرض إلا للفطيم ارتعدت فرائص عمر رضى الله عنه خوفا , وقال في صوت متعثر : وكم له ؟ قالت : كذا وكذا شهرا قال عمر رضي الله عنه : ويحك لا تعجليه ثم انصرف فصلى الفجر وما يستبين الناس قراءته من غلبة البكاء , فلما سلم قال : يا بؤسا لعمر ! كم قتل من أولاد المسلمين ؟! ثم أمر لكل مولود في الإسلام , وكتب بذلك في الآفاق.