(أريد أن أعود- مرة أخرى- إلى قريتي، لأرى قبر زوجي، وأبني الأكبر.. الإثنان مدفونان هناك)! تلك فاطمة.. وفاطمة لا تريد أن تكشف عن اسم أبيها، ولا عن اسم الزوج الذي أصبح في شبر تحت التراب. مثل فاطمة، كثيرات، يتلفتن خوفا، حتى وهن يتحدثن عن حلم بسيط جدا: أن تعود الواحدة منهن، إلى قريتها، لتجثو على مقربة من قبر زوج، ثقبت قلبه رصاصة أو ابن، أو بنية، أو عمة أو خالة، أو جارة.. جارة كانت تُصبّح عليها بالخير، وبالخير تمسيها، وكان يمكن أن يستمر الحال هكذا، لولا.. لولا الكلاشنكوفات التي ثرثرت، والرصاص الذي ما استبان الرشد، منذ أن صرّت أول رصاصة، في هذه الدنيا! فاطمة، دارفورية، وحلمها البسيط جدا، قالت به ل«رويترز»، في مخيم بائس للفارين من الحرب المجنونة، في مدينة الفاشر. الأحلام البسيطة- يا فاطمة- دائما بعيدة المنال، في زمن الخوذات والدانات و(الإنتنوف) التي تحرق من فوق.. وفي زمن (الدوشكات) التي تشرئب من(التايوتات) المتربة، ذات الدفع الرباعي، وفي زمن الجن الراكب جواد، وشايل (آر. بي. جي)! الأحلام البسيطة- يا فاطمة- دائما صعيبة، في زمن (ركوب الرأس*، و(اللولوة)، و(اللت والعجن) وحوار الطرشان.. وفي زمن الشيطان، ذلك الذي يكمن في التفاصيل! الأحلام البسيطة- يا فاطمة- لا تبدو بسيطة، في زمن لوردات الحرب، وتجار الحرب.. في زمن (الأمميين) أصحاب القبعات الزرق، والأفارقة ذوي (الكابات) الحمراء، أولئك الذين يتقاضون بالدولار واليورو والإسترليني والين، لأجل حماية سلام، ليس من مصلحتهم (الشخصية) أن ترفرف حمائمه، على الإطلاق!