منذ فترة من الوقت، عكفت مجموعة البروفسر الطيب زين العابدين الفكرية، في صياغة أفكارها؛ وأخيراً وضعت اللمسات الأخيرة، ودشنت انطلاقة الحركة الوطنية للتغيير، عبر بيان تأسيسي شخّص الوضع الراهن، وأطلق دعوته للحوار. ويبقى السؤال: هل يستطيع الوليد الجديد أن يتنفس جيداً عبر أوردة الإرادة الشعبية.. هذا ما تسعى إليه حركة التغيير عبر الالتقاء مع كيانات المجتمع في واقع أصبح كل ينفرد بجزئياته ويلتمع بنوره الخاص. توتر اجتماعي جاء في بيان التأسيس أن الحركة الوطنية للتغيير، هي جماعة فكرية وحركة سياسية سودانية، تدعو للتضامن بين جميع أبناء الوطن من أجل إصلاحه وإعادة بنائه وتعزيز قدراته، ومن دواعي تأسيس الحركة أنها تجيء في وقت تقاطعت فيه القطيعة بين النخب، وتدهورت الأحوال الأمنية والاقتصادية والتعليمية؛ كما تدهورت العلاقات الخارجية. وقد شخص البيان طبيعة الصراع الراهن بأنه ليس صداماً عسكرياً بين الدولة والمتمردين عليها، أو نزاعاً فكرياً بين العلمانية والإسلام، بقدر ما هو توتر اجتماعي سياسي عميق، ويقع من حيث المكان في أحشاء المدن الكبرى، ومن حيث المضمون في باب العدالة الاجتماعية، وهذا التوتر الذي يقود إلى انسداد أفق التطور الاجتماعي السلمي، ويدفع في اتجاه العسكرة والتسلط، كما يدعو البيان لتغيير الوضع القائم وفقاً لخطوات ملموسة واستبداله بحكومة تمثل قوى التحالف، التي قادت الحراك الاجتماعي لتستمر لفترة انتقالية تهيِّئ البلاد لنظام ديمقراطي تعددي، وعلى أسس فيدرالية تقسم السلطة والثروة بين أقاليم البلاد. بين المنطلقات والأشخاص يبدو من بيان الحركة الذي أخذ فترة من الوقت في إعداده وصياغته أنه لا يخرج كثيراً من برامج وبيانات الإصلاح التي تدفع بها القوى السياسية المختلفة، بما فيها برنامج المؤتمر الوطني، فتورد بيانات الأزمة وملامح تشخيصها على المستويات كافة سياسياً وأمنياً واجتماعياً واقتصادياً، ثم تورد في كل البيانات المتشابهة الدعوة للحوار ونبذ الاختلاف والاعتراف بالآخر، وإقامة مجتمع ديمقراطي يحقق النماء والعدل والمشاركة، وهي هموم ما انفكّت كل دعاوى الإصلاح سائرة في نشدانها وطلبها، ودائماً يحصد منها النزر القليل ويتبقى الكم الكثير، وهنا يطرح السؤال المشروع: ما الجديد في بيان الحركة الوطنية للتغيير؟ من لسان الطيب زين العابدين، يقول إن الجديد ليس في الأفكار، وإنما في الجدية للعمل بهذه المبادئ، ومن محتوى البيان يلتمس أن الإنقاذ فقدت صلاحيتها وأن القوى السياسية المتحالفة معه أو الساعية لوراثتها ما عادت جاذبة، ويصبح التعويل على النخب السودانية المستنيرة، أن تقدم مصلحة الوطن، وأن تتغلب على الحرص والخوف والطمع، وأن تنأى عن الترسبات التاريخية الضارة التي تعوق الحراك الوطني، وأن تتقارب مع الجيل المستنير من أبناء الهامش، وكل هذا من شأنه بالطبع جعل المبادئ لحركة التغيير تأخذ مسارها المختلف ترجمة وإنزالاً على الواقع. وعلى جهة أخرى يلحظ على المجموعة المنضوية ومن أبرزهم الطيب زين العابدين، حسن مكي، عبد الوهاب الأفندي وبقدر ما هم رموز إسلامية؛ يلحظ أنها تمثل تياراً أيضاً موازياً وراتباً في العطاء الفكري، ولا تخفيه بقية الأسماء الأخرى؛ فقد رشح رئيس الوزراء السابق د. الجزولي دفع الله رئيساً للحركة، واندرج في قائمة العضوية أحد القساوسة المحاضرين في اللاهوت!. كما يلاحظ أيضاً أن نصف مجموعة التغيير حوالي 14 شخصاً ومجموعهم الكلي 28 هم من أساتذة الجامعات، وهو السبب الذي جعلهم يصفون حركتهم بأنها حركة فكرية وسياسية، والبقية من ناشطي المجتمع المدني وصحفيين، ويلحظ كذلك افتقار العضوية المؤسسة لجيل الشباب وغياب المرأة باستثناء واحدة، هويدا صلاح الدين عتباني، ولعل كل هذا الافتقار والمحدودية يجعل طرحهم الفكري مهما بلغ لا بد أن يشق طريقه عبر جموعات أكبر وأشمل عدداً وتكويناً، ويتطلب دفوعات قوية من القوى السياسية والجماهيرية والشبابية، ويسير في رهانات التحالفات، ولذلك كان مطلب دعوة الانفتاح مطلباً ضرورياً في بيان الحركة الذي قال: "نحن الموقعين أدناه نقود مبادرة ودعوة مفتوحة لكافة أبناء أو بنات السودان وللطوائف الدينية والمذهبية والأحزاب السياسية ومنظماته النقابية والمدنية ولحملة السلاح للتوافق على مشروع وطني يحقق السلام والمصالحة والعدالة... وإن النظام الأسلم هو التحلف الجماهيري بين فئات المجتمع وأحزابه ومنظماته ونقاباته".