:: رحم الله الطالب علي موسى أبكر، وألهم أسرته وأهله ورفاقه الصبر، ونسأله الشفاء لجرحى الأحداث، و(نسأل الله السلام).. ما حدث - ويحدث - لطلاب جامعة الخرطوم يختبر المناخ السياسي المعلن عنه قبل أسابيع، ويكشف للناس والبلد بكل وضوح بأنه (لا جديد)، وأن الحال العام كما كان (مكبل بالقيود).. فالحوار السياسي المنشود - مع قوى الداخل وحركات الخارج - بحاجة إلى مناخ سياسي غير هذا الضاج والمغبون (بالدم والدموع).. وبعد الاتكاءة على أحداث جامعة الخرطوم، ثم التحديق في ضحاياها وتداعياتها، للقوى السياسية حق التوجس من تلك الوعود بسؤال من شاكلة: كيف نحاور على الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة من يضيق صدره بمحض (نشاط طلابي)؟ :: نعم، يجب عدم اختزال الحدث فقط في جامعة الخرطوم وفقيدها المغفور له بإذن الله بحديث ساذج من شاكلة (شكلوا لجنة تحقيق، حاسبوا الجناة).. فالحدث مؤشر لواقع عام يجب تغييره نحو الأفضل بحيث يعم الحوار والسلام والاستقرار السياسي بالبلاد كلها، وليس بجامعة الخرطوم فقط.. والمدهش، لم يكن هذا النشاط الطلابي المعلن عنه والمقام بجامعة الخرطوم نشاطاً داعماً للحرب ولا داعياً للعنف ولا رافضاً للسلام بحيث تقابله السلطات بقوة الشرطة وهراواتها وغازها المسيل للدموع، بل أقام طلاب دارفور نشاطاً يرفض ما يحدث بدارفور من حرب ونزوح، وكانت الغاية من هذا الحراك الطلابي لفت انتباه السلطات والمجتمع لتلك المآسي وإيجاد حلول لتلك المآسي.. نشاط سلمي كهذا كان يجب أن يحظى بالرعاية والحماية، وليس (الرصاص والبمبان)..!! :: وصدقاً، ما يحدث بدارفور تجاوز حروب الساسة إلى وضع يقترب نحو الفوضى، وقالتها السلطة الانتقالية لدارفور ويؤكدها الواقع الذي يجهل فيه المقتول قاتله وأسباب القتل.. فالحروب ذات الأجندة السياسية مقدور عليها بالتفاوض، ولكن حين تتجاوز الحروب الأجندة السياسية إلى (أخرى خطيرة)، يصبح الوضع العام كارثياً وخارجاً عن السيطرة ولا يُحمد عقباه، وهذا ما يحذر منه طلاب دارفور وكل طلاب السودان وأهلهم.. فالحكومة هي المسؤولة عن إعادة السلام والاستقرار بمجتمع دارفور وكل السودان، ومن الطبيعي أن يغضب الطالب والمزارع والعامل والموظف وغيرهم حين يحس بالخطر الذي يحيط بأهله وإقليمه وبلده، ومن الطبيعي أن يتحرك سلمياً ليعبر عن غضبه لما يحدث من حرب ونزوح، فلماذا تواجه السلطة التعبير السلمي بالفعل العنيف؟.. ألا تكفي كل هذه الحروبات - التي يصطلي بها الوطن والمواطن - عظة ودرساً للعقول بحيث تسعى نحو الحلول التي تساوي كل مكونات المجتمع في (الحقوق والواجبات)؟. :: ثم، حتى لو تم اختزال الحدث في جامعة الخرطوم وفقيدها، أو كما يفعل البعض المصاب بقصر النظر والفهم، نسأل: إلى متى تزج إدارات الجامعات بالشرطة وغيرها من القوات النظامية في المناشط الطلابية؟.. وإلى متى يُستباح حرم الجامعات تحت سمع وبصر لوائح الجامعات وقوانينها؟.. ومتى ترتقي هذه الإدارات، والمسؤولة عنها، بحيث توفر المناخ المعافى لمناشط الطلاب بمختلف ألوان طيفهم السياسي - بلا منع أوضرب - حتى يتعلم جيل المستقبل لغة الحوار ويؤمن بالرأي والرأي الآخر، أم أن قدرهم أن يكونوا امتداداً لجيل آبائهم بحيث يتخرجون إلى الحياة العامة بروح مشبعة بلغة (بالغاز والرصاص)؟.. يا عالم، حافظوا على ما تبقى من الوطن بالاعتراف بحق الآخر بأن يكون شريكاً أصيلاً في صناعة حاضر ومستقبل بلاده، وليس ( تابعاً أو أجيراً).. حقوق الشعوب في أوطانها صارت كما المياه تجري في مسارات العدالة والحرية والديمقراطية والمساواة، وإن لم تجد الحقوق تلك المسارات الطبيعية تتحول إلى سيول تجرف وتقضي على (الأخضر واليابس)!.