توالت الأحداث بصورة درامية في دارفور لا سيما في شمال دارفور حتى أعادت للأذهان حوادث 2003م إبان اندلاع الأحداث، ولا زال المشهد قاتماً، ورائحة البارود تسيطر على المسرح الدارفوري، بين الفصائل المتمردة من جانب والحكومة من جانب آخر. هجوم مضاد شهدت دارفور حالة من الاستباب الأمني لفترات متقطعة عقب توقيع اتفاقية الدوحة، وبشكل آخر بعد إعلان تحالف الجبهة الثورية السودانية (تحالف كاودا). ويعود الهدوء الأمني إلى أن الحركات تقدمت قوتها العسكرية إلى مدن جنوب كردفان والمناطق الغربية لشمال كردفان، عدا حركة مناوي التي احتفظت ببعض قواتها بمناطق أم قونجا وحجير تونجو وببعض المناطق في جنوب دارفور. وعقب عودة قوات الدعم السريع واتجاهها لتحرير مناطق أم قونجا؛ اتجهت قوات مناوي إلى شمال شرق الفاشر، وقامت بهجوم مضاد ودخلت مناطق (حسكنيتة واللعيت والطويشة وكلمندو ووصلت حتى مليط)، ولا زالت موجودة ببعض المحليات التي من المتوقع أن تحررها القوات المسلحة في الأيام القادمة. ويتضح أن تصعيد مناوي تزامن مع انهيار المفاوضات مع حلفائهم في الشعبية بأديس أبابا، وهو ذات التفاوض الذي هاجم فيه مناوي الحركة الشعبية. ويبدو أن الرجل أراد أن يرسل رسائل متعددة للحكومة والمجتمع الدولي وحلفائهم، بأنه موجود بالميدان، بيد أن تفعيل مناوي للعمل العسكري هو جزء من استراتيجية الجبهة الثورية في مطالبها الرامية لتوحيد منبر التفاوض بعد تعثر المفاوضات الثنائية. فمن الواضح أنها تتحرك الآن في محورين: دبلوماسي وعسكري؛ والأخير هو تضييق الخناق على الحكومة، وفتح أكثر من جبهة قتال وتشتيت جهود الأجهزة النظامية، بل الاعتماد على الضربات الخاطفة وحرب الكوريلا، أسوة بما حدث بمليط التي دخلوها عصراً وخرجوا منها في الرابعة من عصر اليوم التالي بعد أن تزودوا بالوقود واحتياجاتهم من المؤن الغذائية. معالجات وخطط في منتصف الأسبوع الماضي، وبعد أن اشتدَّت الصراعات في شمال دارفور، طار وفد رفيع بقيادة نائب الرئيس حسبو محمد عبد الرحمن ووزير الدفاع الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين إلى الفاشر، وقد تم الاتفاق على معالجة الأحداث في جزئيَّتيْن: الأولى تلخصت في إيكال تحرير المناطق الشرقية، وهي محليات "اللعيت وحسكنيتة والطويشة وكلمندو"؛ إلى القوات المسلحة، على أن يتولى وزير الدفاع الملف، ووفقاً لما تحصلت عليه (السوداني) فإن وزير الدفاع في زيارته للفاشر اجتمع بغرفة العمليات بقيادة الفرقة السادسة مشاة بالفاشر اجتماعاً مطولاً، ورغم ضآلة المعلومات المقدمة، إلا أن ذاك الاجتماع يمكن قراءة مخرجاته في سياق حديث نائب رئيس الجمهورية حسبو في حديثه أمس ل(مؤتمر إذاعي) عن حسم التمرد خلال 24 ساعة، وأن الترتيبات تجري لإخراج حركة مناوي، ومن المتوقع أن يتم تحرير تلك المناطق في الساعات المقبلة؛ أما الجزئية الأخرى تضمنت معالجة الاحتياجات الإنسانية للمتضررين من الأحداث في سرف عمرة. مفارقات وخسائر مفارقات قد تبدو غريبة في واقع معقد وتحيط به الأزمات من كل جانب؛ ففي الوقت الذي لا زالت عمليات حصر الخسائر البشرية والمادية في المحليات الشرقية للفاشر لم تتضح بعد، وفرار أعداد كبيرة من المدنيين نازحين إلى غبيش والفاشر؛ نظمت مبارة في نهاية منتصف الأسبوع الماضي بين حركة مناوي وشباب اللعيت في المنطقة. وقدر وزير مالية شمال دارفور د.عبده داؤود الخسائر المادية بأكثر من 100 مليون جنيه، نهبت فيها بنوك ومؤسسات ومكاتب حكومية، وفقاً لحوار مع (السوداني) ينشر لاحقاً. سرف عمرة الاتجاه الغربي لمحليات الولاية ظل يشهد حالة توتر من شد وجذب بين أقطاب الحكومة في الولاية (هلال وكبر)، فقد ظل هلال مناوئاً لسياسات الوالي كبر وموجهاً سهام النقد له ووضع إعفاءه كشرط أساسي لا تراجع عنه. تلك التوترات ظلت تتنامى يومياً إلى أن وقعت أحداث سرف عمرة، التي أدت إلى موت وفرار العشرات من محليات سرف عمرة. ورغم نفي هلال صلته بالأحداث، إلا أن حديث الوالي كبر الوارد أخيراً بالفاشر، يحمل في طياته اتهاماً ضمنياً إلى موسى هلال، عندما قال: "إن مجموعات متلفتة –دون أن يحددها- تسعى لزعزعة الأمن والاستقرار بمحليات الولاية الغربية"، لكن موسى هلال في المقابل نفى صلته بالأحداث في حديث بث على إذاعة (عافية دارفور)، مؤكداً على أنه ليس جزءاً من الصراع الدائر، ووجه الرجل سهام نقد مضادة إلى خصمه كبر، إذ اتهمه باختلاق المشكلات والصراعات بين مكونات الولاية والسعى لتفتيتها، وقد أفلحت لجنة محايدة يوم الثلاثاء الماضي في التوصل إلى اتفاق قضى بإيقاف العدائيات. تحول دولي في الوقت الذي وصف فيه كبر الجهات التي تنشط في سرف عمرة بالمتلفتين، هنا في الخرطوم بدار الأمة ولأول مرة؛ وصف رئيس حزب الأمة القومي الإمام الصادق الصراع بين الحكومة والحركات بالقبلي، حيث قال المهدي في بيان مكتوب تلاه في مؤتمر صحفي: "إن الموقف الأمني بشمال شرق دارفور دخل فيه أحد الفصائل المسلحة في تصفية حسابات قبلية بين الزغاوة والبرتي"، وأضاف: "إنه أشبه باحتراب الكل ضد الكل بأجندات قبلية". ورغم أن المهدي لم يذكر فصيل مناوي، إلا أن المعروف هو أن حركة مناوي هي التي دخلت المناطق الواقعة في الشمال الشرقي للفاشر، غير أن توقعات الانفجار الأكبر لا زالت ماثلة للعيان بسبب تنامي الحرب. وتوقع المهدي اتساع الصراع واستمراريته، وفي ذات الوقت اعتبر أن النهج الحالي لحل الأزمة غير مجدٍ، بيد أنه توقع استمرار ما سمَّاه النهج العقيم، وعندما يفشل "متوقع أن يرفع الأمر لمجلس الأمن لإصدار قرار آخر تحت الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة". ووجه المهدي انتقادات واسعة لاتفاقيتي أبوجا والدوحة، مشيراً إلى أن أطرافها اكتفوا بالمحاصصة في المناصب، دون النفاذ لجذور المشكلة، وعدم إيفاء المانحين بالتزاماتهم، بالإضافة إلى أن عدم توفر الأمن عرقل مشروعات التنمية. آخر محطة مليط آخر المدن التي دخلتها قوات مناوي من المحورين الشمالي والشرقي، مستهدفة أماكن القوات النظامية بأطراف المدينة. وتنبع أهمية المدينة التي تبعد 60 كيلومتراً شمال الفاشر من أنها ثاني أكبر مدينة بعد عاصمة الولاية الفاشر، وتعتبر ميناءً برياً ذا حركة تجارية كبيرة بين السودان وليبيا. وقد سجل والي شمال دارفور عثمان يوسف كبر أمس زيارة ميدانية إلى مليط بالبر، ووقف على تطورات الأوضاع فيها بعد تحرير القوات المسلحة لها. رسائل دولية قبل أن تتوجه الحكومة إلى تحرير تلك المناطق، أبلغت المجتمع الدولي بالهجمات العسكرية التي نفذتها الحركات المسلحة على الأرض، فقد طالب السودان وفقاً ل(سودان تربيون) مجلس الأمن بمعاقبة الحركات المتمردة، وقد سلم القائم بالأعمال بالإنابة ببعثة السودان الدائمة لدى الأُمم المتحدة حسن حامد حسن، سيلفي لوكاس مندوبة لوكسبمورغ الدائمة لدى الأُمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن لهذا الشهر؛ سلَّمَها رسالة خطّية بشأن الهجمات الأخيرة التي قامت بها المجموعات المتمردة في دارفور على مناطق (حسكنيتة، اللعيّت جار النبي، الطويشة، كلمندو)، وربط التصعيد بدارفور بموقف الحركة الشعبية قطاع الشمال المتعنّت –على حد تعبيره- الذي أدى إلى إفشال المفاوضات معها بأديس أبابا مؤخراً، وأن حركات دارفور المتمردة المنضوية تحت ما يُسمى بالجبهة الثورية، وخاصة حركة مني مناوي؛ قصدت إرسال رسالة تضامن مع الحركة الشعبية قطاع الشمال بأن دارفور أيضاً مُشتعلة، وأن المفاوضات مع الحركة الشعبية قطاع الشمال يجب أن تشمل كل قضايا السودان.