يقولون إنه حينما تتصارع الفيلة فإن الحشائش الصغيرة هي التي تتأثر، لكن في البحر الأحمر تتصارع الحيتان وحدها وتتأثر وحدها. فأمس الأول برز فصل جديد من فصول المعركة بين د.محمد طاهر إيلا والي الولاية رئيس المؤتمر الوطني ونائبه في الحزب محمد طاهر أحمد حسين الشهير ب(البلدوزر)، إذ أسقط المجلس التشريعي عضوية البلدوزر من المجلس استناداً لإدانة سابقة ضده قبل اثنين وعشرين شهراً من محكمة بلدية أركويت التي أدانته على خلفية قضية جنائية نجم عنها إبعاده من جميع المواقع القيادية بالحزب والمجلس في سبتمبر 2012م. قضى الرجل عشرين شهر معتكفاً بمنزله ونسي البعض قضيته أو تناسوها وانشغلوا، فعاد الرجل لدائرة الأضواء مرة أخرى، وظهر على غير موعد في لقاء مشترك مع والي الولاية د.محمد طاهر إيلا بمكتب الأخير في اجتماع استمرَّ زهاء الساعتين، انخرط بعده بلدوزر الشرق في جولات ماكوكية بين المحليات ولقاءات جماهيرية بكل من سواكن وهيا وهمشكوريب زار بعدها عدداً من المرافق الحكومية واجتمع بكثير من المسؤولين بالولاية، واستأنف نشاطه بالمجلس التشريعي بصفته عضواً منتخباً. لم يقف الأمر عند ذلك الحد، بل تعداه إلى تخصيص النواب جلسة كاملة للترحيب بعودته والتهليل بقرار جديد صادر من محكمة الاستئناف ببراءته من التهمة التي وجهت له، وهي التهمة التي ما فتئ البلدوزر من اعتبارها مجرد مؤامرة جيدة الإخراج والسيناريو لكنها مفبركة. لكن سرعان ما تدهور كل شيء فقط بعد مرور شهرين، إذ اختفى الرجل مرة أخرى عن الأنظار وشاع أن خبر براءته كذبة كبرى، وأن سوسة الخلافات بينه وإيلا بدأت تدب والشقة تتسع، حيث اتهمه البعض بتغذية منابر المعارضة ورفدها بالمعلومات الحساسة، والتواري خلف بعض القوى المعادية لإيلا، والحديث أن الرجل سئم العودة لمقاعده السابقة. كل تلك التطورات أسهمت في تفاقم الصراع بينه وإيلا وهو صراع لم يخرج حتى الآن إلى العلن ربما لأن مشتركات عدة جمعت بين الرجلين منذ الصبا، فقد التقيا منتصف الستينيات بمدرسة سنكات الوسطى وشبَّ وشابَ بهما العمر وهم رفقاء في الحل والترحال ولم يسبق أن اختلفا أو تناقشا بحدة أمام الناس. لكن أسرار وخبايا الخلاف بين إيلا والبلدوزر ومن يحرك المعركة؟ ومن المستفيد؟ ومن الخاسر؟ وما هي السيناريوهات المتوقعة جمعيها أسئلة تطرح هنا بالبحر الأحمر لكن بلا إجابات. المؤكد أن مشاورات عدة جرت واجتماعات توالت داخل المجلس التشريعي وجرت مشاورات قانونية وسياسية قبل الإقدام على خطوة إسقاط عضوية السيد محمد طاهر ثم صدر الإعلان الرسمي من المجلس أمس الأول تبعه أمس بمؤتمر صحفي عقده المجلس برئاسة السيد نائب رئيس المجلس أحمد محمد علي موسى الشهير بأحمد همد أعلن خلاله قرار فصل العضو محمد طاهر وبرر تأخر القرار لكل تلك الفترة برغبة المجلس في منح الفرصة كافية للعضو (البلدوزر) للدفاع عن نفسه وإسقاط الإدانة والتهم الموجهة إليه عبر القضاء. وأكد همد أن مجلسه رحَّب بالعضو مطلع هذا العام، وسمح له بحضور الجلسات، حتى تقدم عدد من نواب محلية هيا بالمجلس بطلب لفحص قرار براءة المذكور، وأشار إلى أن العضو يعتمد في براءته على قرار صادر من محكمة الاستئناف، يحكم بإسقاط العقوبة وإعادة أوراق القضية لمحكمة الموضوع، لتعمل وفقاً لموجهات حددها الاستئناف، وبالتالي -والتقدير لهمد- أن القضية لا تزال قائمة، وأن البلاغ مفتوح ضد المذكور ولم يتم شطبه ما يؤكد للمجلس أن القضية حية والعضو المفصول يواجه التهم. وقال همد إن المجلس قرر بالإجماع واستناداً على قرار قرار محكمة بلدية أركويت بالرقم 467 /2012 بإدانة المذكور تحت المواد (151) و(88) من القانون الجنائي لسنة 1991 تعزيراً واستناداً إلى المادة (87 ب) من الدستور القومي الانتقالي مقروءة مع المادة (42 ب) من دستور ولاية البحر الأحمر والمادة (18 /1) من لائحة تنظيم أعمال المجلس اتخذ قرار إسقاط العضوية، مشيراً إلى أن مجلسه سيخاطب المفوضية القومية للانتخابات لإخلاء الدائرة وإجراء انتخابات بها لاختيار من يمثل ناخبيها، مشيراً إلى خطوات أخرى لفصل محمد طاهر من الحزب وفقاً للوائح الحزبية. وقال همد إن من شروط الحصول على عضوية المؤتمر الوطني أن لا يكون المنتسب مداناً في قضية تمس الشرف والأمانة، وهذا الشرط لا ينطبق على السيد محمد طاهر حسين، وقال: "لذلك سنعمل على فصله من الحزب". ونفى همد وجود خلفيات سياسية لقرارات الفصل، وقال: "إننا ولإثبات حسن نوايانا وتعاطفنا ووقفتنا معه ظللنا صابرين على كل مراحل القضية وظللنا نقدم الواجب الذي يليق بنا حيث (أجَّرنا له عربة ليموزين لأكثر من سنتين ومنحناه العديد من الفرص ليتجاوز محنته لكنه صار عبءاً ثقيلاً علينا). وقال نائب رئيس المجلس: "نحن اتخذنا قرارنا ومن حق المفصول الطعن في القرار بالوسائل القانونية".