بعضهم يحمل شهادات من أعرق الجامعات.. غسَّالو السيارات... قالوا (العلم ممحوق)..! فلاشات: محاسن أحمد عبد الله هناك مثل إنجليزي يقول: (من يعشق عمله يجده أمتع من اللعب)، وهذا إن دلَّ على شيء يدل على أن حب المهنة يجعل الشخص يشعر بالمتعة وهو يمارسها بغض النظر عن التعب الذي يأتي من جراء تلك المهنة، وهذا الحديث يسوقنا إلى شباب قضوا عدداً من السنوات وهم يتنقلون من صف إلى صف ومن قاعة دراسية لأخرى بغية العلم، ومن ثم الحصول على وظيفة يعوضون من خلالها أسرهم مادياً، ولو بجزء يسير لما أنفقوه من أجل دراستهم، ومن ثمّ التفكير في الاستقرار بتكوين أسرة يبدأ معها مشوار حياته، لكن عندما تقسو الأيام وتأتي الرياح بما لا تشتهي سفن متطلبات أسرهم يعمد بعض أولئك إلى رمي تلك الشهادات جانباً، والخروج للشارع للبحث عن عمل ولو كان هامشياً يوفر لهم بعض تلك المتطلبات. وخلال جولة (فلاشات) في الشارع السوداني، لفت نظرها أصحاب تلك المهنة والمعروفة ب(غسيل السيارات)، تلك المهنة التي كان التجوال في أضابيرها يحمل الكثير من المعلومات ومن الاستفهامات كذلك، بينما كانت الدهشة سيدة الموقف، عندما لوح لنا بعضهم بشهاداتهم، راسمين على وجوههم ابتسامة تنوعت بين اليأس والإحباط.! في انتظار وظيفة: (تخرجت من جامعة السودان قسم المحاسبة في العام 2009.. طرقت كل أبواب العمل بشهادة الجامعة والخبرة، ولكنني لم أجد طريقا للعمل في الوظيفة التي درست تخصصها).. هكذا ابتدر الحديث الشاب حامد الطاهر الذي يعمل في مهنة غسيل السيارات قبل أن يواصل قائلاً: (سعيت كثيراً في أيِّ مجال وظيفي آخر دون جدوى، فكان أن لجأت إلى غسيل العربات التي أحصل من خلالها على المصروف اليومي لأنني الأكبر بين إخوتي، ورغم ذلك لا أزال أسعى لوظيفة بديلة مستمرة نغطي بها متطلبات الحياة اليومية).! نعمل شنو؟ محمد مختار لم يكن أقل من حامد تحمّلاً للمسؤولية وهو يقوم بتوفير مستلزمات الأسرة اليومية وهو الأوسط بين إخوته وجاءت لهجته حادة بعض الشيء وهو يقول: (يعني نعمل شنو؟ عندكم لينا شغلة تانية؟ أنا اتخرجت من جامعة النيلين كلية الاقتصاد وقعدت تلات سنوات بدون شغل وما خليت جهة ما قدمت فيها ورقي لكن بنتفاجأ بإنو الناس البياخدوهم في الوظائف أغلبهم عن طريق الواسطة، ودا السبب الخلاني أقرر أشيل (جركانة وفوطة وصابون) لأنو دي الشغلانة الوحيدة الما محتاجة ليها واسطة لحدي ما ربنا يفرجها).! ممغوص وممكون: (م.ن) الذي رفض ذكر اسمه كانت تبدو على ملامحه مسحة من الألم وبعض من الإصرار والعزيمة وهو يتحدث إلينا بعد أن سألناه عن الأسباب التي اضطرته للعمل في غسيل السيارات وهو خريج جامعة الخرطوم علوم إدارية.. فأجابنا قائلاً: (أنا ممغوص وممكون بعد أن سدت في وجهي كل الطرق والسبل من أجل الحصول على وظيفة، لم أترك باباً إلا طرقته ولكن دون جدوى، الأمر الذي جعلني أمتهن هذه المهنة الشريفة على الرغم من أنها لا تفي باحتياجاتي، ناهيك عن احتياجات الأسرة، وسوف أنتظر حتى تفرج وينصلح الحال وأعمل في المجال الذي درسته).!