محاسن أحمد عبد الله حاولت كثيرا الخروج من نفق الأخطاء الطبية الكارثية المظلم والتحدث فيها، إلا أنني أجد نفسي (منداحة) فيها مرة أخرى لأهميتها ل صحتنا، وحتى تعي الجهات المسؤولة دورها وتتعظ وتسلك الدرب القويم, بدلا من المسالك الوعرة التي أتعبت بها المرضى وأهليهم. أجريت عملية جراحية في فترة ماضية بمستشفى أم درمان السعودي وكنت متخوفة بعض الشيء منها ولكن زاد تخوفي بعد الإمضاء على الإقرار الطبي قبل العملية والموافقة عليه بشروط صعبة للغاية. المهم وافقت على مضض وتم إدخالي إلى غرفة العمليات وإعطائي (بنجا) كاملا و(ما أدراك ما البنج الكامل)، (اللي بيروح مش بيجي) ولكن الحمد لله كللت العملية بنجاح باهر وبعد خروجي من الغرفة ووضعي في العنبر الخاص وأنا علي السرير شعرت بآلام حادة ومبرحة تحت الظهر ما جعلني أصدر انينا قويا وأنا لا أقوي علي الحركة بسبب مفعول (البنج) الذي لا زال ساريا، ما جعل أمي التي كانت ترافقني تقوم بالتخفيف عني قائلة (اصبري يا بتي بيكون ده من جرح العملية) ولكن الآلام كانت في ازدياد لم تجدِ معها طبطباتها لي، ما جعلها تقوم بمناداة الطبيبة المشرفة على العملية لفحص المكان الذي أشتكي منه، لتأتي المفاجأة الصادمة والمحبطة، وجود (مقص) العملية وهو (مدبج) بالشاش علي ظهري، اندهشنا جميعا وكل من حولي وتمنت وقتها الطبيبة أن تنشق الأرض وتبتلعها من الفضيحة، تناسيت ألمي ووجعي لأنظر لأوجاع ومصائب الآلاف من المرضى جراء أخطاء الأطباء (سبحان الله). كما ظل البعض يعاني من عدم الاهتمام بالمرضى والنظافة، لتصل مرحلة (الوسخ) داخل غرف العمليات في ظل غياب خطة قومية للتوعية وفرض ضوابط جديدة وحاسمة وملموسة فيما يتعلق بمسألة التعقيم لمنع انتشار العدوى داخل المستشفيات وغرف الجراحة وعيادات أطباء الأسنان ومراكز التجميل وصالونات الحلاقة ومراكز غسل الكلى. أعتقد أن صحتنا أهم ما نملك وتستحق أن تكون هنالك وقفة من الجميع من أجل إنقاذ ما تبقى. في الوقت الذي يرى فيه الأغلبية أن ارتفاع الدولار هو سبب رئيسي في معاناة الكثير من المستشفيات والأطباء لتأثيراته الواضحة لأنه سوق خاضع للشائعات والتوقعات ولا تعتمد الأسعار فيه على سياسات معينة أو حتى قانون العرض والطلب؛ فالدولار أصبح ينخفض يوما ويرتفع أياما ولا يرجح فيه الاستقرار؛ لا ندري إلى أين يصل الحال بنا، فالعبرة للاستعمار ليست بكثرة الأساطيل والجيوش بل بالتسلط الاقتصادي والفكري والسياسي ومدى الوعي, ووضع بند الصحة من البنود المهمة وأولى أولويات الدولة. ولا بد من إصلاح النفس أولا لينصلح من حولنا وهذه أعلى درجات الفضيلة، لأن الفوضي في ذاتها قمة البربرية تتمدد كما الأخطبوط. بدون قيد: عزيزي.. أحمد الله بأن السماء مفتوحة وأن الهواء لم يوزع علينا ب(الكوتات) بعد، حتي لا نستنشق أوكسجين الانكسار غصبا عنا.