للروائي المصري النوبي الراحل ادريس علي رواية لطيفة اسمها "الزعيم يحلق شعره". وهي تحكي معاناة مغترب مصري في ليبيا في فترة سطوة الرئيس السابق القذافي. وعنوان الرواية معبر عن حكاية اشتهرت عن القذافي انه أمر بإغلاق صالونات الحلاقة، وطلب من الشعب أن يحلق شعره بنفسه وضرب بنفسه مثالاً لذلك. قيل أن سبب القرار كان حلماً رآه القذافي أن موته سيكون على يد حلاق. هل كان في الذين اجتمعوا حول القذافي في اكتوبر 2011 ويسحلونه حتى الموت، بعد أكثر من 20 عاماً على ذلك الحلم، حلاق؟ لا أعرف. لكن هناك رئيس آخر سرت عنه شائعة تربطه بالحلاقة والحلاقين. انه طفل كوريا الشمالية الخطر كيم جونغ أون. في مطلع هذا العام 2014 انتشرت شائعة في وسائل الاعلام العالمية أن الرئيس الكوري أصدر قراراً بتحديد قصات الشعر التي يُسمح للنساء والرجال بعملها. لكن بحثاً دقيقاً يظهر لنا أن الأمر مجرد شائعة ساخرة لا حقيقة لها. المشكلة اننا يمكننا أن نصدق أي شيء يقال عن كوريا الشمالية ورئيسها غريب الأطوار هذا. مثلاً انتشر خبر أثناء بث مباريات كأس العالم الأخيرة بالبرازيل أن الأعلام الكوري أعلن لشعبه أن الفريق الكوري مشارك في التصفيات وعلى وشك الحصول على كأس العالم. هذا الخبر – رغم انه غير صحيح – لكنه ممكن التصديق في بلد مثل كوريا الشمالية تحظر استخدام الانترنت، وتباع فيها أجهزة التلفزيون وفق اعدادات مسبقة تمنعها من التقاط أي ارسال سوى ارسال التلفزيون الحكومي. وتقوم مجموعات حكومية بعمل حملات تفتيش على المنازل لمراجعة اعدادات التلفزيونات للتأكد من عدم مشاهدة أصحابها لأي قنوات أخرى. في اكتوبر من هذا العام ذكرت صحيفة الاندبندت البريطانية أن كوريا الشمالية أعدمت 50 شخصاً ( منهم 10 مسئولين في الحزب الحاكم ) لمشاهدتهم مسلسلات من كوريا الجنوبية. كما تحتل كوريا الشمالية الموقع قبل الأخير في ترتيب الرقابة على الاعلام ( متفوقة على ارتريا ) في تقييم منظمة مراسلون بلا حدود. لهذا يمكن بسهولة أن يقول الاعلام الكوري لمشاهديه إن فريق بلاده يشارك في كأس العالم. وعلى من يشكك أن يبحث في الإعلام العالمي ويعرض نفسه لعقوبة الإعدام. هناك فيديو مترجم الى الانجليزية ستجده على موقع يوتيوب لما يفترض انه مذيع كوري يهنئ الشعب بوصول أول انسان إلى الشمس. وطبعاً صاحب المجد الذي وضع قدمه على النجم الملتهب هو رائد فضاء من كوريا الشمالية. كيم جونغ أون ينتمي إلى فصيلة "ورثة الجمهورية"، مثل بشار الأسد، والحالمين عدي وقصي صدام حسين وسيف الاسلام القذافي وجمال مبارك الذين لم يساعدهم الحظ والثورات العربية. ورث كيم (المولود في 1983 ) الحكم عن والده. الذي ورث بدوره منصب رئيس الجمهورية عن والده. وتقول تقارير غربية أن المرشح لخلافة كيم ( في حالة وفاته المبكرة طبعاً) هي اخته يو جونغ. وهي فتاة غامضة، عمرها 27 عاماً. درست مع شقيقها في سويسرا، ثم اختفت عن الأنظار لسنوات طويلة حتى شكك البعض في وجودها أصلاً. ورث كيم جونغ الحكم في ديسمبر 2011، في مفارقة لافتة. حيث انه العام الذي قامت فيه الثورات العربية محطمة حلم جمال وسيف الإسلام. وقد اعتبرت هيومان رايتس ووتش ثورات الربيع العربي رسالة لكل الرؤساء في العالم. لكن كيم جونغ يبدو انه لا يعرف القراءة. فقد بدأ حكمه فوراً بأعمال أكثر شدة من تلك التي حكم بها والده وجده. فبعد أيام من توليه السلطة أمر بإعدام نائب وزير الدفاع رمياً بقذيفة مدفع، عقاباً له على شرب الخمر في فترة الحداد على وفاة الرئيس السابق. وقتل قائد الجيش ومدير البنك المركزي لأسباب مماثلة. ثم بعد شهور قام بإلقاء زوج عمته للكلاب لتمزقه، عقاباً له على تهمة "الخيانة العظمى". وقد ذكرت تقارير صحفية أن دليل الخيانة كان أن الرجل شوهد أكثر من مرة يصفق بفتور ودون حماس أثناء خطابات الرئيس. وقد نشرت وكالة الأنباء المركزية الكورية صوراً للرئيس وهو يقدم واجب العزاء لعمته بعد أيام من قتله زوجها. ويمكن في هذه الصور أن ترى وجهه الحزين وهو يواسي عمته على فقدها. وجه رجل اضطر لقتل زوج عمته في سبيل الوطن. آخر اعدامات الرئيس الشاب كانت لأحد مسئوليه العسكريين الكبار. حيث أمر باعدامه رمياً بالرصاص لأن الرجل غير بعض كلمات النشيد الوطني ساخراً. فأنشد المقطع القائل " اكره اعداءك واحب بلدك" محولاً اياه الى " اكره زوجتك واحب عشيقتك". الرئيس اعتبر هذه الفعلة دليل على "وجود روح التمرد " لدى المسئول. وهي عبارة تذكرنا بأجواء رواية 1984 لجورج أورويل. قد يبدو كيم جونغ نموذجاً مثيراً للسخرية باعتباره شكلاً دكتاتورياً "خام" غير مهذب. لكن المثل السوداني يقول "المجانين كتار. لكن شقي الحال يقع في القيد". كيم هو نموذج الحاكم الفرد المطلق. الحاكم الذي لا رقيب عليه من الشعب أو المؤسسات المنتخبة. الذي يمكنه أن يفعل كل شيء يريده. أحلامه قوانين، ورغباته أحكام. وتعاونه مجموعة من العسكريين والحزبيين الكبار الذين يعتبرون نظامهم هم الأصلح والأجدر للبلاد. كوريا الشمالية تعيش حالة عداء مزمنة ضد جارتها الجنوبية، والولاياتالمتحدة واسرائيل. ولا تخلو خطبة للرئيس الكوري ( يمكنك العثور على بعض خطبه على موقع يوتيوب) من التنديد بمؤامرات اسرائيل وأمريكا والجارة الجنوبية على بلاده. يقول كيم كيونج اوك ( أحد أبرز القادة الكوريين حتى الآن، ما لم يكن قد أعدم في الوقت بين كتابة هذا المقال ونشره ) " نحن نقف سداً منيعاً يحول دون وقوع كوريا بين براثن الولاياتالمتحدةالأمريكية". إن كنت تملك الوقت والبال الرائق فأنا أنصحك بمتابعة أخبار هذا الشاب اللطيف. فهو جدير بالمتابعة حقاً. ولا تنسى أنه يمتلك ترسانة نووية قد يرغب في تجربتها يوماً من باب الملل، فيجد العالم نفسه في دوامة حرب نووية فجأة.