لا أستطيع القول بأن القرار الذي صدر أمس الأول وقضى بدمج هيئتي الاذاعة والتليفزيون كان مفاجئاً، خاصة وأنه صدر ضمن عدة قرارات ذات صلة بالهيئات الحكومية " الحج والعمرة،الموانئ البحرية وغيرها" وربما يحمد أن القرار لم يقضِ بإلغاء الهيئتين وإلحاقهما بإدارات صغيرة داخل وزارة الإعلام كما حدث لبعض الهيئات العامة الأخرى! لكن عنصر المفاجأة يكمن في أن هنالك لجنة كانت تعمل منذ أن حدث فك الارتباط بين الإذاعة والتليفزيون، وهدفها الأساسي هو إزالة آثار الدمج وفك الارتباط بالتي هي أيسر أي دون إراقة أخطاء. والطريف أن بعض العاملين في الهيئتين لازالوا يحملون بطاقات " الهيئة القومية للإذاعة والتليفزيون" أي الاسم الذي كان سائداً قبل الدمج "وأخشى أن يكون حديثي هذا عبارة عن فزورة لكنه عين الحقيقة. من الواضح أن قرار دمج الإذاعة والتليفزيون لم يقم على دراسات عميقة ،وإلا لما كان هنالك داع لتكوين لجنة لدرء آثار الانفصال ،ويبدو أن آثار الفصل كانت كبيرة لذلك لم تفرغ اللجنة من مهامها حتى داهمها مخاض الدمج مرة أخرى، وهذا التحليل يقودنا إلى نتيجة أخرى تبدو واضحة للعيان. وهي أن قرار الدمج الحالي لم يقم أيضاً على دراسات، أو أنه قام على دراسات عامة، ربما تكون اقتصادية بسبب التسونامي الذي ضرب اقتصادنا بعد انقصال الجنوب غير المفاجئ ،وظهور أعراض الأزمة الاقتصادية العالمية رغم تأكيدات أئمة المساجد بأن اقتصادنا الإسلامي محمي بالعناية الإلهية من الزلزال الاقتصادي الذي أصاب الدول العلمانية في مقتل! قرار دمج الهيئة القومية للإذاعة والتليفزيون جاء ضمن قرارات حكومية حول هيئات خدمية لأثارت جدلاً كثيفاً في السنوات الماضية وعلى رأسها هيئة الحج والعمرة التي أطاحت بمسؤولين كبار وتسببت في "حرد" بعضهم ولم يكن القرار مبنياً على دراسات فنية دقيقة وعميقة ،وهويخالف المبدأ العالمي في مجال أجهزة الإعلام الذي يشجع التخصص والتخصص الدقيق. ولهذا القرار تبعاته، وسوف يثير جدلاً متواصلاً داخل " الحيشان" التي تغلي حالياً بسبب الهيكلة والتخلص من العاملين كما يحدث في التليفزيون هذه الأيام ،ووفقاً لهذه المعطيات ،فإن الإذاعة موعودة – أيضاً- بهيكلة إدارية ربما تنسف الاستقرار الذي تميزت به في الفترة الماضية. المهم في هذا الموضوع أن تكون النتائج إيجابية، وأن يكون هدفها المصلحة العامة، وتأسيس أجهزة إعلام قوية ومؤثرة وقادرة على المنافسة في الفضاء الذي يضج بالمؤسسات الناضجة والراسخة وذات الشعبية الجماهيرية الضخمة، ونأمل أن تتخلص الإذاعة والتليفزيون من قبضة " النفس الحكومي "وتحلق في الوجدان السوداني وتعبر عن الثقافات المتنوعة والمتعددة التي تزخر بها بلادنا وتحولها من خانة" النقمة" إلى " النعمة". والواقع أن الإذاعة والتليفزيون – وكذلك وكالة الأنباء السودانية - في أشد الحاجة إلى قانون واضح وصريح يجعلها تتحرر من القيود المكبلة لها منذ فجر الاستقلال، ويحتاج هذا الأمر إلى أكثر من القرارات " الجمعية" التي تضع كل الشأن الحكومي في سلة واحدة !