فركت عيناي مثنى وثلاث، وأنا أشاهد صورة نشرت ب ( الإنستغرام ) متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر فيها فتاة وهي ترفع لافتة بكلتا يديها أمام إحدى مراكز التسوق الشهيرة بالعاصمة السودانية الخرطوم كُتب عليها ( HUG ..1SDG ) وتعني بالعربية ( أحضني بجنيه واحد ) . وما يُدهش ( أكثر ) بقية الخبر كما نشر على المواقع الإلكترونية أهمها ( النيلين ) أن الجنيه يذهب لصالح دعم حملة ( خيرية ) باسم ( شتاء دافيء ) لشراء ملابس شتاء وتوزيعها على الفقراء، لكم أن تتخيلوا هذه الطريقة ( الشيطانية ) المغلفة لعمل الخير !! هل نحن نعيش في بقعة غير ( السودان ) الذي عُرف كمجتمع محافظ على قيّمه وتقاليده الأصيلة أم أن العولمة قد قذفت بنا في سواحل المحيطات وأعالي البحار، وأرجِّح الاحتمال الأخير من فرط ما أصبحنا نرى في كل يوم أمر عجاب !! . قبلها في مقطع متداول تظهر فتاة وهي تعتلي خشبة المسرح وأمام حشد من الجمهور ل ( تقبِل ) فنانا شابا على مرأى ومسمع من الناس، وينشر الفنان بعدها توضيح يقول فيه ( أنا لست مسؤولاً عن تصرفات ومشاعر المعجبين ) !! في أي كوكب نحن ؟! ولماذا نستنكر الظلم ونشكو ( ضيق العيش ) كما علق أحدهم إذا كان هذا هو حالنا وسلوكنا . وبعدها يعتلي شاب خشبة المسرح ليسجد لفنان ! هذه مؤشرات قبيحة توضح حجم استلاب قيمنا وبدايات لتصدع في مجتمعنا ( المحافظ ) يقوم بها البعض بوعي أو بدون وعي لإحداث مجتمع متفسخ تشيع فيه الفاحشة لتصبح أمراً عاديّاً مشاهدا ومشاعاً بين الناس، فاعتياد الشارع على هذه السلوكيات الفاجرة في حد ذاته مصيبة وفاجعة كبرى لانه إماتة لقيّم ديننا و قتل لمبدأ الحسبة، و تخلي عن الفضيلة و سلوك حضارتنا الإسلاميّة، كما هو تقليد أعمى للمجتمعات الغربية المنحلة .ليس ( كل ) الشارع بهذا السوء ولا نقول قد هلك الناس، ففي ظل هذا السواد من الأحداث يشع نور وضيء، ومواقف خير نبيلة لا تسعها هذه المساحة تؤكد أن بالأمة خير . آخرها ما وقفت عندها مغتبطا، الحدث الكبير والموقف الأصيل الذي نقلته صحيفة ( الجزيرة السعودية )، عن سائق التاكسي السوداني مع المواطن السعودي " أحمد بن مسفر الزهراني " الذي قدم في زيارة سياحية إلى السودان، وأثناء استغلاله لعربة تاكسي لأحد الفنادق بالخرطوم تعرض لوعكة صحية مفاجئة نقله صاحب التاكسي لإحدى مستشفيات الخرطوم في حالة حرجة مما استدعى تنويمه، ومن ثم قام بالاتصال بالسفارة السعودية وأطلعهم على حالة الزهراني وسلمهم وثائقه الثبوتية ومبلغ » 9500 » ريال سعودي وهاتف نقال وساعة يد كانت بمعيته و ظل صاحب التاكسي ملازماً للمريض إلى أن فارق الحياة كما ظل مرابطاً مع أسرة السفارة إلى إتمام عملية تسليم الجثمان، فمثل هذه القيم تشع فينا أملا رغم ما ذكرنا من سلوك مخز ومشين . والفقراء يتضورون جوعاً ولا تمتد أيديهم إلى الحرام، وهم ليسوا بحاجة إلى ملابس دافئة إذا كانت ستأتيهم من ( ريع ) أحضان فتيات !! والله المستعان بقلم : محمد الطاهر العيسابي هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته