محاسن أحمد عبد الله تعاني المرأة كثيراً في حياتها بدءاً من التربية التي تحاط من خلالها بكثير من القيود التي تصل لدرجة التحجيم لدى البعض منا مرورا بالمراحل التعليمية التي تفرض فيه بعض الأسر سيطرتها على الفتاة بأن لا تمنحها حقها في التعليم والعمل الأمر الذي يؤدي إلى امتعاض البعض منهن من الحياة, فيما تفتح الحياة طاقاتها و(نفاجاتها) لمن هن محظوظات في الدعم والرعاية من ذويهم، ودائما ما يكون هاجس أغلب الفتيات بعد الحياة العملية هو الزواج والاستقرار الأسري الذي لا يتحقق إلا بوجود شخص يكون سندا ومعينا لها في الحياة قبل أن يفوتها القطار، لتبدأ معاناة أخرى وهي الحمل ولحظات المخاض الصعبة التي تخرج فيها الروح لتسترد مرة أخرى ومن ثمّ ترتسم الفرحة على شفاه تيبست من الوجع والآهات لتطبع قبلة حارة على جبين مولود خرج من رحم ساكن إلى عالم مليء بالضجيج. هكذا كان حال الموظفة هالة التي تبلغ من العمر خمسة وثلاثين عاما بعد أن كابدت من أجل التعليم وجاهدت للحصول على وظيفة ولم تسعها الفرحة بقدوم طفلة ذات ملامح جميلة كما والدتها بعد أن طرق صاحب النصيب باب قلبها، ولم تكن تدري الشابة الجميلة هالة أن تلك الفرحة ستفارقها بخبر قد ينغض عليها سعادتها وأسرتها الصغيرة. وذلك عندما شعرت هالة بوجود ورم صغير في صدرها ولم تتخوف بادئ الأمر ولكن عندما بدأ ينمو شيئا فشيئا قررت مقابلة الأطباء ليأتيها الخبر اليقين أنها مصابة ب(سرطان الثدي) وفي مرحلة متأخرة جدا ولا خيار غير الاستئصال. أظلمت الدنيا في وجهها وكأنما ملك الموت كان شاخصا أمامها ليقبض روحها وهي تحتضن صغيرتها بقوة غير مصدقة ما حدث لها، بكاء طفلتها الصغيرة مزق دواخلها لتذرف دمعها مدرارا ولم تستطع الصغيرة أن تعرف ما يؤلم والدتها غير أن تمسح دموع أمها بيديها الصغيرتين وهي تقول (ماما.. ماما) لتواجه الأم قرار الأطباء بحسم وإرادة قوية بعد أن وضعت بداخلها يقينا تاما أن الأعمار بيد الله. هنا فقط استحضرتني قصة النجمة الأمريكية الشهيرة أنجلينا جولي وقوة إرادتها في مواجهة المرض وذلك عندما أعلنت جولي أنها قامت باستئصال ثدييها خوفا من الإصابة بمرض السرطان بعد تحذيرات الأطباء من احتمال إصابتها بالمرض مثل والدتها. قالت وقتها جولي إن الأطباء المعالجين لها اكتشفوا جينا متحورا يسمى (بي.آر.سي1) وهو المسؤول عن الإصابة بالسرطان لدى (جولي)، ومن المحتمل أن ينتهي بإصابتها بسرطان الثدي خاصة أن والدتها أصيبت بالمرض وماتت في سن مبكرة. وحثت جولي النساء على اتخاذ الخطوات اللازمة لاستكشاف ما إذا كن معرضات لمخاطر مماثلة. وأجرت جولي الجراحة ولم تتوقف عن العمل بسببها وكتبت تقول: (حين علمت بالواقع قررت أن أكون إيجابية وأقلص الخطر إلى أقل درجة ممكنة واتخذت قرار استئصال الثديين كإجراء وقائي). نعم.. تمنيت أن نكون جميعا نحن معشر النساء أكثر وعيا ومعرفة بمخاطر ذلك المرض اللعين وأن نسارع للكشف في وقت مبكر قبل أن يستفحل ويصعب أمر علاجه بعيدا عن الهواجس والمخاوف التي لا جدوى منها، وفي أحيان كثيرة كنت أتردد في الذهاب إلى الطبيب حتى وإن أصابتني حمى الملاريا فقد كنت أخاف, ولكن مع مرور السنوات انقشعت غمة الخوف التي كانت بداخلي وبعزيمة استطعت أن أكون من المداومين على الكشف الدوري للإيدز والثدي طبقاً لمقولة (الكشف المبكر حياة). بدون قيد: عزيزي.. علمتني التجارب أن (أكشف) لنفسي عيوبها وأصوِّبها، كما علمتني تجاربي الفاشلة أن النجاح آتٍ لا محالة، لذلك كسرت حاجز الخوف وطوق القيد وانتفضت أنوثة وحياة