:: بالدولة العربية، كان الشيخ يسب ويلعن ويحرض الناس على قتال داعش أينما وجدوها.. فنهض أحد الشباب من ذوي اللحي، وسار نحو الشيخ وهو يدخل يده في جيب جلبابه، فصمت الشيخ وتوجس وارتبك قليلاً، ولكن الشاب أخرج هاتفه السيار وفتح الكاميرا بهدوء ثم تهيأ لتوثيق هجوم الشيخ على داعش، فواصل الشيخ وهو يحدق في الكاميرا: (أنا لا أقصد بداعش جماعة محددة ولا حزب معين، نحن جميعاً مسلمون، ورب الكعبة نحن جميعاً مسلمون).. وعندما اقترب الشاب بالكاميرا، ختم الشيخ خطبته قائلاً: (ياخ الخطب دي ذاتها بتجينا جاهزة من ناس الأوقاف، ونحن عندنا فيها رأي)..!! :: وبلا مناسبة، وكأنه يتمنى ملاقاة العدو رغم أن الدين لم يستوجب هذا التمني، يصرح المعز عباس، الناطق الرسمي باسم الدفاع الشعبي، لصحف الأمس بالنص القائل: (جاهزون للتصدي لداعش وبوكو حرام).. ثم يتذكر -فجأة- خلو البلاد من نشاط داعش وبوكو حرام، فيواصل مطمئناً الناس والبلد: (هذه الجماعات لن تستطيع اختراق الشعب لأنه مجتمع وسطي، وكذلك لا توجد أرضية صلبة وحاضنة لهذه الأفكار في بلادنا).. حسناً، مع استحالة اختراق المجتمع الموصوف بالوسطي، ومع عدم وجود أرضية حاضنة، ومع عدم وجود أي نشاط أو ملامح نشاط، فلماذا التحدي بإعلان جاهزية التصدي..؟؟ :: المهم.. الجماعات المسلحة -إسلامية كانت كما داعش وغيرها أو غير إسلامية كما نمور تاميل وغيرها، لا تنمو وتنشط إلا في (مناخ الفوضى).. أي، ليس مهماً اسم الجماعة وفكرها، وكذلك ليس مهماً أن يكون المجتمع وسطياً أو غير ذلك، فالمهم هو (المناخ العام).. وداعش لم تخترق تلك المجتمعات ودولها إلا بعد أن توفر مناخ الاختراق.. فالمجتمع الذي يستعصي على الاختراق ليس هو المجتمع الوسطي ولا غير الوسطي كما يظن البعض، بل هو المجتمع المستقر سياسياً واقتصادياً وأمنياً.. وبلادنا، ما لم يحل السلام الشامل في كل ربوعها ويتحقق الاستقرار السياسي، لن تكون بعيدة عن (مناخ داعش).. فلا تدفنوا الرؤوس في الرمال..!! :: وللأسف، ليبيا التي كانت دولة لم تعد كذلك، ولذلك اخترقتها داعش ووجدت لنفسها مكاناً وسط الجماعات الأخرى التي تقاتل بعضها.. وليبيا ليست بعيدة عن دارفور التي لم تستقر كل مناطقها.. ويخطئ من يظن بأن داعش ستبقى جماعة من ذوي الأصول (العربية فقط).. داعش فكرة، وليست هوية.. وانتقال الفكرة من منطقة إلى أخرى أو من دولة إلى دولة وانتشارها ليس بحاجة إلى أكثر من (مناخ الفوضى)، سوريا نموذجاً، وكذلك العراق، وأخيراً ليبيا التي تجاور بلادنا.. مناخ الحرب هو الأرضية الصلبة والحاضنة المثالية ل(فكرة داعش).. والفكرة -في حال غزوها لمناطق الحرب- ليست بحاجة إلى عرب الشام أو أفارقة نيجيريا، بل ستجد من جنسنا وبني جلدتنا من ينفذها وينشرها.. كافحوا الحرب بإرادة السلام، وأشركوا الشعب -عبر قواه السياسية- في إدارة حاضره ومستقبله، وهكذا تحموا البلاد وأهلها من (فكرة داعش)..!!