حوار هادئ مع القيادي بالوطني ياسر يوسف طاقة الحريات الصحفية.. أطلقها.. ولا تخف!! عبد الماجد عبد الحميد أفردت صحيفة (اليوم التالي) الغراء مساحة مستحقة للأخ الوزير ياسر يوسف وزير الدولة وأمين الإعلام بحزب المؤتمر الوطني أوضح خلالها رؤيته لما يدور في الساحة الإعلامية خاصة وما يعتلي الصحافة الورقية خاصة من جراح ومصائب ونكبات أخرجت الوزير من صمته وتردده على خلفية فاجعة مصادرة 14 صحيفة دفعة واحدة من قلب الخرطوم وأطرافها وهو حدث اهتزت له أركان ومواقع المشتغلين بحرية الصحافة وصناعة الإعلام في العالم كله تعجباً مما جرى لصحافة الخرطوم.. حدث كهذا أخرج كثيرين من صمتهم الإجباري ومنهم الوزير الشاب ياسر والذي وددت لو أنه اكتفى بصمته النبيل كما يفعل دائما في المواقف والمنعرجات الصعبة!!.. لكنه تحدث كتابة الأمر الذي حفزني على الرد على ما خطه بقلمه وهي ميزة تحسب للأخ ياسر الذي ظل على تواصل مع الإعلام خلافا لحال كثيرين من الدستوريين وكبار المسؤولين الذين يتهربون من التعبير كتابة عن أفكارهم ومواقفهم متذرعين بكثرة المشاغل وزحام العمل العام.. ومهما بلغ شغل أحد وزرائنا وكثرة واجباته فإنه قطعا لن يكون أكثر انشغالا من وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الذي ظل حريصا على الكتابة الراتبة في كبريات الصحف الأمريكية وتحتفي الصحافة العالمية كثيرا بما يكتب حيث يعبر عن موقف بلاده ويلخص توجهات ونقاط سياستها الإستراتيجية من قضايا العالم كافة بالتركيز على موضوع معين لاحظت أنه يختاره بعناية تنم عن متابعة لصيقة للأحداث مع كثرة المشاغل والتسفار.. ومع هذا فجون كيري قارئ متميز ومتمكن بينما تصيبك الدهشة عندما يفجعك أحد وزرائنا الكبار بقوله إنه لا يقرأ الصحف السودانية ولا يتابع أجهزة إعلامنا!!.. ماذا ننتظر من أمثال هؤلاء الدستوريين غير الضيق بالرأي الآخر والصمت على مصادرة الصحف والتضييق على هامش الحريات الصحفية الذي يباهي الوزير ياسر يوسف بأنه الأفضل في منطقتنا العربية والإسلامية وهي مقولة سنفرد لها مساحة نقاش في متن هذا الرد الحواري المطول على الأخ ياسر والذي نحمد له حرصه الشديد على التواصل مع الإعلام والإعلاميين برغم مشاغله وشواغله الكثيرة.. ونحمد له أيضا حرصه على الكتابة الصحفية من وقت لآخر.. لكن ما يكتبه قابل للنقد لأنه كما ظل يقول دائما إنه يكتب بصفته الصحفية التي يعتز بها.. لكن هذه الصفة الصحفية وحدها لا تعطيه حق الترويج لمقالاته بالطريقة التي نطالعاها بها.. ترويج كثيرا ما يضر بالفكرة الرئيسية للمادة المكتوبة والتي كثيرا ما يغلب عليها التعبير اللغوي والمحسنات البديعية التي لا تغني شيئا عن جوهر المقال موضوع النشر وهي ملاحظة ظاهرة وواضحة في مقال الوزير ياسر الأخير باليوم التالي وفيه أكثر التعليل والتبرير والخطاب الهتافي لمواقف الحزب من قضية الحريات الصحفية.. كما يلمس القارئ لمقالات الأخ الوزير ياسر يوسف منذ فترة (غرقها) في لغة ومواد قانونية تغلب عليها روحه كقانوني وسياسي براغماتي أكثر منه صحفيا أو وزير إعلام يدندن حول فكرة مركزية قد تختلف مع كاتبها أو قائلها لكنك لا تملك إلا احترام منطقها وتسلسلها الموضوعي وهو ما نفتقده في كثير مما يخطه قلم الوزير المجتهد!! * أجد نفسي مضطرا لبداية هذا الحوار الكتابي مع الأخ ياسر يوسف للتذكير بقضية مركزية تغيب كثيرا عن وعي المشتغلين بالسياسة من أمثاله وهو في هذا يماثل كثيرين سبقوه في موقع المسؤولية بوزارة الإعلام أو كرسي الأمانة القيمة على العمل الإعلامي بالحزب.. ومنهم مثالا لا حصرا الأخ الأستاذ مهدي إبراهيم والأخ الدكتور غازي صلاح الدين والأخ الدكتور أمين حسن عمر والأخ البروفيسور بدر الدين إبراهيم.. بالعودة لأرشيف تصريحاتهم ومقولاتهم تجد أنهم كثيرا ما تنكروا لقيمة الحرية كما تعلمناها داخل الحركة الإسلامية.. أن تكون حريتك حيث تبدأ حرية الآخرين.. وتعلمنا أن قوة الحركة الإسلامية وقدرتها على المواجهة والتصدي والتحدي يوم أعطت أبناءها حرية القول والتعبير عن آرائهم ومواقفهم داخل مؤسسات الحركة ومنتدياتها المختلفة.. كانوا يعبرون عن مواقفهم وآرائهم الصادمة أحيانا دون أن يخشى أحدهم عزلا من منصبه أو ملاحقة في معاشه أو مضايقة في مهنته.. وبهذه التمارين التطبيقية على سماع النصيحة والأخذ بها تخرجت أجيال كثيرة نقلت هذه التجربة لفضاء الإعلام والصحافة وكان منتظرا أن يكون لها أثر في تجربة الحريات الصحفية طيلة سنوات الإنقاذ وهو أمر ظللت شاهدا له ومعايشا منذ سنوات طويلة أيقنت خلالها وبما لا يدع مجالا للشك أن الذين يتولون المناصب الدستورية من أبناء الحركة الإسلامية وخاصة المثقفين والمفكرين منهم سرعان ما يتحولون لقابضين لمتنفس الحريات ويصمتون عن كل تجاوز لها من قبل السلطة التنفيذية كأنهم لم يمارسوا فضيلة النقد وحرية الرأي.. ومع إعمالهم للتضييق هذا وتنكرهم لمواقفهم السابقة تجدهم منساقين وراء تبرير غريب ومنطق آخر أكثر غرابة ومنه مثالا ما خطه قلم الوزير ياسر يوسف في مقاله حيث يقول إن (الأوضاع على صعيد حرية التعبير بالسودان هي الأفضل والأميز حتى على مقارنة أمم ودول أكبر).. لكن الوزير لم يحلنا إلى مؤشر قياس نقيس عليه مراكزنا ولا موقفنا في حرية التعبير مقارنة بالآخرين علما بأن مكتب الوزير يحتفظ بتقارير دولية مهنية تبين موقف السودان المتراجع في سجل الحريات الصحفية وهو سجل تراجع كثيرا بخطوة المصادرة المروعة للصحف حيث أخرجت الوزير من صمته.. وليته سكت لأنه ساق تبريرا ما كنت أظنه يصدر من أمين الإعلام بحزب المؤتمر الوطني.. يقول ياسر يوسف نصا: (هذا القرار نتحمل في الحكومة مسؤوليته بالكامل وهو ليس اجتهادا من الجهة المنفذة وإنما وفق تنسيق عال ورفيع مع بقية مؤسسات الدولة ومكوناتها والقرار بصورته تلك إنما هو نتاج موقف جمعي داخل الجهاز السياسي والتنفيذي للحكومة وفقا لتقديرات قصدت المصلحة العامة ولم يكن تعسفا تجاه الصحافة أو اضطرارا لها لأضيق الطرق).. أه * أتعجب كثيرا من حديث الأخ الوزير ياسر يوسف.. ومصدر تعجبي مرده إلى مقدمة مقاله المطول حيث عبر فيه عن عميق تقديره للصحافة والصحفيين.. وأطلق عبارة رائعة جدا يشكر عليها عندما قال إن الصحفي السوداني يخطئ ولا يخون.. هذا حديث جميل.. لكن ياسرا وقع في حافر الذين سبقوه.. كيف يتفق الموقف الجمعي داخل المؤتمر الوطني على مصادرة 14 صحيفة في يوم واحد؟! كيف يقول إن هذا الموقف نتاج تشاور مع مكونات الدولة الأخرى وما علمناه أن مجلس الصحافة والمطبوعات والذي يضم شخصيات إعلامية وسياسية وقانونية لها موقعها وتاريخها؛ هذا المجلس بكل رموزه وقوانينه كان غائبا عن التشاور الذي قال به وزير الدولة للإعلام. ربما نجد عذرا للوزير الشاب إن كان حزب المؤتمر الوطني قد اتخذ قرارا تم بموجبه استبعاد المجلس القومي للصحافة والمطبوعات والاتحاد العام للصحفيين السودانيين عن مكونات الدولة التي تم التحاور والنقاش معها للوصول لذلك القرار الجمعي الذي قال وزير الدولة بالإعلام إن الحكومة تتحمل مسؤوليته التاريخية علما بأن الحكومة التي يتحدث بلسانها تضم في مكوناتها أحزابا وجماعات أخرى لا تتبع لحزب ياسر يوسف وهي جزء أصيل من الحكومة. لا أعرف هل تمت مشاورتها هي الأخرى أم أنها ركبت موجة التبرير وتحمل المسؤولية كما فعل وزير الإعلام الاتحادي أحمد بلال وتبعه من بعد وزير الدولة ياسر يوسف؟! * إن الخطوة التي يدافع عنها الأخ ياسر يوسف لطمة قوية لمسيرة الصحافة وحرية التعبير في بلادنا.. لطمة وفاجعة لحرية التعبير التي يدعونا الأخ ياسر يوسف للحرص عليها والعمل على تقويتها بالمسؤولية والقانون!!.. أتعجب لأن الوزير الشاب يعلم تمام العلم أن الذي جرى ويجري لم يكن إعمالا للقانون وإنما هو تعسف في استخدام السلطة ظل هو شخصيا صامتا عليه ومحزن حقا أن يخرج علينا من وقت لآخر لتقديم مبررات ومقارنات واهية ترتد حجة عليه. فأهل الصحافة الذين يقول إن السودان عندهم فوق الجميع وقبل أحزابهم. هؤلاء الصحفيون والإعلاميون هم ذاتهم الذين تصادر صحفهم وتكسر أقلامهم من وقت لآخر ولا يجدون من وزير إعلامهم إلا تصريحات محزنة. والأكثر حزنا منها كلمات مكتوبة من أمين إعلام الحزب الحاكم الذي يناشدنا أن نأخذ حرية الصحافة ولا نخاف. لكننا نقول له: (أطلقها أنت أولا.. ولا تخف).. فالحركة الإسلامية علمت أبناءها الإمساك بعصا حرية التعبير لتتكئ عليها. وتهش بها على عاديات الزمان ولها فيها مآرب أخرى سنعرض لها في سياق الرد القانوني على شواهد أمريكية وأروبية كثيرة أوردها الوزير ياسر يوسف في مقاله لتبرير صمته وضعفه في مواجهة عواصف الصحافة والإعلام التي ثبت فعلا لا قولا أنها أكبر أثرا وأعظم خطرا من تجربته في الجهازين السياسي والتنفيذي.. وللحديث صلة آمل أن يتسع لها صدر الوزير ياسر يوسف والمكونات الأخرى معه في الحكومة والمؤتمر الوطني.