يمكن لبابكر فيصل أن ينتقد الإسلاميين وأن ينعتهم بما يشاء، ولكن لا نفهم أن تكون حرباً على الإسلام نفسه، وهو المسلم من اسمه، ولو كان يقيم عند النصارى بل يجادل بالأحاديث بما يفهمه هو ليوافق هواه. فلقد انتقد في مقاله ليوم الخميس 19 مارس الشيخ كمال رزق خطيب المسجد الكبير في دفاعه عن جماعة الإخوان المسلمين، وأنها جماعة مسالمة قائمة على منهج فكري أصيل، وأيضاً في رأيه الفقهي في سفر المرأة من دون محرم حيث قال الحديث "لا يجوز للمرأة أن تسافر وحدها مسيرة يوم وليلة" فيقول بابكر فيصل "إن الإمام كمال رزق يصور الصراع بين الإخوان المسلمين وخصومهم على أنه استهداف للإسلام كدين! وهذا تخليط مفضوح، ومدالسة ومُخَادعة لا تليق بمنبر الإمامة في المسجد"! هنا نقول لبابكر فيصل إن الشيخ رزق لم يقل إن استهداف خصومه للإسلام كدين، بل أنت الذي قلت ذلك مع أن سبحانه وتعالى يقول " إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلام" وقوانين الشريعة من الدين وأنتم ترفضونها! والشيخ اتهمهم بأنهم يحاربون الإسلام.. وكما أنكم توالون العلمانية وتصارعون من أجلها فإنه يدافع عن الإسلام والإخوان الإسلاميين فما وجه الغرابة في ذلك؟ ثم ماذا تريده أن يتحدث في المنبر أمام المسلمين؟ إن المساجد لأداء العبادات ويدار فيها ويتدارس كل ما يهم الإسلام والمسلمين؛ فهو للدين والدنيا وليس كما تصفه أنت وتقول "إن على علماء الدين والأئمة أن يعلموا الناس فقط كيف يصلون وفقه المعاملات وتزكية النفس والأخلاق!! أما التعامل المالي والاقتصادي والسياسي وقوانينها وتشريعاتها فهي للينين وماركس وإنجلز"!! إنك كما تقول إن أكثر ما يثيرك ويقلقك حديث الشيخ كمال رزق وقوله إنه يسعى ليقيم "دولة إسلامية بمنهج إسلامي وبدستور وحكم إسلامي على منهج النبوة والأخلاق والعدل"، فالأستاذ يقول إن هذه أحلام يستحيل تطبيقها الآن، وأنه لا وجود لحكم إسلامي صحيح أو خطأ سوى ذلك الذي ارتبط بالرسول بوصفه مبعوثاً من السماء، وأن كل ما عداه تجارب فاشلة حتى عهود الخلفاء الراشدين! وحتى تجربة الرسول صلى الله عليه وسلم تجربة فذة وغير قابلة للتطبيق!!". والحمد لله أن فيصل قبل بتجربة الرسول وإن كان على مضض.. ونقول له وللعلم فقط وليس للإقناع إن رسولنا الكريم قال "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي"، وقال "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبداً؛ كتاب الله وسنة رسوله"، والذين لا يريدون تحكيم الشريعة وهم من المسلمين فيقول تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ) و(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا)، (ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا). فرفض الخصوم للدين نفسه وليس للتطبيق فقط. ثم أن قولك بأن الشريعة انتهت بموت رسولنا الكريم فإن ذلك يعني أن كل ما جاء به قد ذهب معه حتى القرآن!! والله سبحانه وتعالى يقول (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا). ويقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)، ويقول (الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ). وكل ذلك من أمر الله علينا وحتى ولو أنك ترى أن حكم سيدنا عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز بشرع الله فاشل! فإن ذلك لا يُلغِي التكليف من الله على الآخرين لقوله (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ)، وقولك هذا نقبله من الذين لم يؤمنوا أصلاً لقوله (فمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)، أما أنت يا بابكر فيصل فغير مقبول منك. ويقول الأستاذ بابكر أيضاً إن الشيخ رزق لم يكتف بالدفاع عن الإخوان المسلمين بل أفتى برأي فقهي مُختَلف فيه وهو مسألة سفر المرأة من دون محرم، منتقداً وزير الداخلية لأنه أجاز سفر المرأة من دون محرم! وذلك بالحكم الشرعي الحديث: "لا يجوز للمرأة أن تسافر وحدها مسيرة يوم وليلة"، وبابكر فيصل يرى في ذلك تضييقاً على المرأة ويحتجّ بالحديث " فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحداً إلا الله"، والحديث صحيح ولكن حديث رزق والحديث "لا يجوز للمرأة أن تسافر إلا مع ذي محرم" أكثر صحةً لأن أهل العلم متفقون على عموم النهي في سفر المرأة بدون محرم أو زوج إلا في دار الحرب، كما أن الظعينة هنا معناها الراحلة أو الجمل أو الهودج والمرأة لا تُسَمَّى ظعينة إلا وهي داخله، وفي عصرنا هذا وقبله والذي يرى فيه الأستاذ الأمن موفوراً فالأمن المقصود بعدم سفر المرأة بدون محرم ليس هو ما تعنيه بخوفها القتل أو السلب وإنما خشية الشيطان والخلوة، والمحرم هو من المحارم التي ذكرها الله في القرآن، وهؤلاء غير الرفقة المأمونة، وأنا لا أدري لماذا يحرص الأستاذ على تحلل المرأة من الحجاب ومن المحرم ويعتبره تضييقاً لها؟ فأهل الغرب أنفسهم لم يطالبوا ويتظلموا من سفور المرأة وتبرّجها وإنما قضيتهم في التشريعات الإسلامية الاقتصادية وفي السياسة، فلا تكن فرعوناً أكثر منهم. ويقول الأستاذ في مقالة قبلها ويصف الدين بالتخلف ويَحصر القرآن في العبادات وتزكية النفوس، أما العلم فهو لعلماء البشر فقط فيقول "إن الإسلاميون يضعون الدين في تعارض مع العلم، وهنا يكمن الخطأ الأساسي! فالقرآن كتاب هداية تنزل على البشر ليخرجهم من ظلمات الشرك والهوى إلى أنوار التوحيد والاستقامة، ويهديهم لأحسن الهدى الذي فيه سعادتهم في الدنيا ونجاتهم في الآخرة" مستشهداً بالآية: (الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)، مع أن هذه الآية مقصود بها إخراج الذي استشهد بها نفسه إلا أنه يريد أن يجعل ويصور القرآن "بالدلقنة" والمسكنة والضعف أمام علماء العصر الغربيين، متجاهلاً كل ما جاء فيه من العلم والإحاطة بما سيكون وما قد كان، ويقول ذلك لأن أحد السلفيين قال إن الأرض لا تدور!! مخالفاً قول علماء الفلك، واهتبل ذلك منصة لاتهام القرآن بالجهل وحصره في فقه المعاملات!! فإن كنا يا أستاذ لم نُحط بما جاء به القرآن في الشمس والقمر والليل والنهار والأرض ومن عليها من دابة ولا كائن في السماء ولا طائر ولم يبن لنا ولم نعرفه فذلك لا يعني بأن القرآن لم يحط بالعلم، والحقيقة أن القرآن يقول: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ)، ويقول: (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)، فالله سبحانه وتعالى هو خالق هذا الكون، فكيف يعجز عن تفسير ما قد خلق؟! فالقرآن هو الحقيقة الثابتة وينبغي على الإنسان أن يجتهد ليصل إلى هذه الحقيقة (يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، فالأرض مثل بقية الأجسام تسبح وتدور ولا يوجد شيء ثابت في الكون؛ وقد يكون العالم الذي أنكر حقيقة ذلك أن فهمه كان مخالفاً للآيات القرآنية والعجز في ذلك عند كل البشر ولا يحسب على الدين أو القرآن، والتناقض واختلاف الناس في فهمه وتفسيره (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ). نحن لا نُعَقّب على الأستاذ بابكر فيصل لأنه يكره الإسلام ويصد الناس عنه لصالح العلمانية، وهذا ما درج عليه في مقالاته كل خميس ب(السوداني)، مكرساً جهده وقلمه في تبخيس وتسفيه شريعته وذلك لأن هذا شأنه وقناعاته وطريق كل من يحاد الله ورسوله، ولكن لا نقبل التحقير للدين والتقليل من شأن القرآن وهيمنته وحصره في حدود ما يريده الغرب.. ولذلك نرد عليه بقوله تعالى: (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ). عثمان محمد يوسف الحاج هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته