السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بابكر: حد الردة وظفت لأغراض سياسية ولتصفية الخصوم
حد الردة بين النصوص الدينية ومواثيق حقوق الإنسان(1-2)
نشر في الصحافة يوم 19 - 08 - 2011

أثار حد الردة، أي قتل المسلم بسبب خروجه عن الإسلام، نقاشات جمة وجدالات لم تنفض، بين من يرونه استجابة لنصوص صريحة من جنس قول النبي «من بدل دينه فاقتلوه»، وبين من يراه حداً خاضعاً لتوظيف سياسي يستهدف تصفية الخصوم ناسخاً لأصل مهم قعدته الآية الكريمة «لا إكراه في الدين».
فما هي حقيقة حد الردة في الفكر الإسلامي؟ وهل هناك إجماع عليها؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون توظيفاً من قبل السلطات الحاكمة. لمناقشة هذه القضية الحيوية استضاف برنامج (قيد النظر) الأستاذ بابكر فيصل بابكر، الباحث والكاتب الصحفي، والأستاذ محمد الحبر، الباحث بمركز النهضة للتواصل الحضاري.
* أستاذ بابكر، هل ترى مفهوم حد الردة موضوعياً؟
- الموضوع مهم من جانبين، الأول يمس قضية مركزية في الإسلام وهي قضية حرية الاعتقاد، وفي الجانب الآخر يتم توظيف الموضوع من الناحية السياسية أكثر من الدين. وكما قال د.طه جابر علواني، مدير المعهد العالمي للفكر الإسلامي، إن موضوع الردة في التاريخ الإسلامي كان في أغلبه سياسي والجانب الديني فيه كان ضئيلاً، فالقرآن لم يورد آية واحدة تدل على حد الردة ولم يحدِّد عقوبة دنيوية على المرتد، بل تحدثت كل الآيات عن عقوبة المرتد في الآخرة، وورد موضوع الردة في أربعة مواضع لم يذكر القرآن فيها حداً للردة، كما أن السنة المتواترة لم يرد فيها إثبات لحد الردة.
* أستاذ محمد، هناك من يرى أن الموضوع مجرَّد توظيف سياسي، والديني فيه قليل؟
- دعني أقرر أن الردة ذنب كبير، فأن يرتد الإنسان من الإسلام إلى غيره عندي جريمة.
* جريمة تستحق القتل؟
- سأجيبك، هي ذنب عظيم رتب الله تعالى عليه بنص القرآن عقوبات أخروية، ورتب عليه بنص الأحاديث عقوبات دنيوية. العقوبة الأخروية في قوله تعالى «من يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون»، فليس هناك ذنب أو كبيرة أعظم من الردة، ولا نعلم في الإسلام ذنباً يذهب بكل الحسنات إلا الردة. وحينما نتحدث عن الردة نتحدث في ظروف استثنائية، أي أن الأمة في حالة تراجع وسلطان المسلمين غائب، والثقافة الغربية مهيمنة على كل أوضاعنا وحركتنا وتفكيرنا والأمة تحت الاحتلال، بمعنى أن هذه المركزية الغربية ستترك آثارها على تفكير المسلمين.
* بمعني أنها أملت هذا الرأي؟
- سيكون هذا يقيناً، فالثقافة الغربية جعلت الكثير من المفكرين الإسلاميين، بل من كبار المفكرين الإسلاميين، يبحثون عن مخرج لبعض القضايا ويحاولون أن يوائموا بين الرؤية الإسلامية والرؤية الغربية حتى يكون الإسلام مستساغاً في تقبل الآخرين له، وهذا بلا شك جانب من جوانب الانكسار ومحاولة المواءمة ما بين الرؤيتين حتى في قضايا أخف من هذه القضية كالمعجزات وما ورد عنها في السنة والقرآن.
* هل هي جريمة تستحق القتل؟
- أقول إن الله رتب عليها عقوبة في الآخرة بنص القرآن، وفي الدنيا هناك عقوبات تترتب على الردة منها أن المرتد سيفقد ولاء الأمة له، وحديث النبي (ص) «من بدل دينه فاقتلوه»، والحديث الآخر في الصحيحين «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث»، وهذه النصوص تبين لنا أن المرتد حكمه القتل.
* الأخ بابكر، أنتم منكسرون أمام الحاضرة الغربية تريدون أن توفِّقوا بين الدين وحقوق الإنسان حتى توافقوا الغرب؟
- لا أتفق مع الأخ محمد، ليس الموضوع موضوع انكسار أو استضعاف، بل الموضوع موضوع أدلة، فلم يثبت أن الرسول (ص) قتل مرتداً عن الدين، رغم أن الآية تحدثت عن المنافقين الذين كفروا وكانوا بين يدي الرسول لكنه لم يقتلهم، والقرآن لم يورد عقوبة دنيوية للمرتد إنما وردت هذه العقوبة في حديثين لا يفيدان اليقين من وجهة نظري، لأنهما حديثا آحاد، وأحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في الأمور التي تستوجب اليقين، والحديث إما أن يكون متواتراً أو أن يكون حديث آحاد، والمتواتر هو ما ذكره أناس من الكثرة بحيث لا يتواطأون على كذب، وبهذا يفيد اليقين، وحديث الآحاد فيه الظن وفيه الأخذ والرد وهو مقسم إلى صحيح وحسن وضعيف، والحنفية مثلاً يقولون إن حديث الآحاد لا يفيد الإلزام (الفرض والوجوب).
* بابكر، لو كانت مسألة الردة بهذا الوضوح والبساطة لأخذ الناس بهذا الرأي في الماضي، مما يوحي بأن هذا الرأي الآن خاضع لضغط من الحضارة الغربية ومسألة حقوق الإنسان؟
- هذا غير صحيح، فالموضوع كان مثاراً في أوقات كثيرة في التاريخ الإسلامي، وباسم الردة قتل الحلاج والسهروردي ومفكرون إسلاميون كبار منهم في السودان محمود محمد طه، وفي إيران هاشم أغاجاري، وفي مصر فرق بين نصر حامد أبو زيد وزوجته، وطرح هذا الموضوع في التاريخ الإسلامي وسيظل مطروحاً.
* هذا الحديث أخ محمد ليس وليد هذا الزمن، ووجد في التاريخ، وهناك توظيف سياسي لمسألة الردة، وهناك قتل للخصوم والمفكرين؟
- كم عدد الخصوم السياسيين للولاة والحكام في تاريخ المسلمين؟، لا شك أنهم بالآلاف بل بالملايين، لماذا لم يقتل كل هؤلاء بحد الردة؟، والقول بأن حد الردة هدفه التوظيف السياسي حكم جائر لا يصدقه الواقع التاريخي، لأننا نعلم أن الحكام قتلوا لكن لم يقتلوا بحد الردة، والقول بأنه فقط للتوظيف السياسي تنقصه الدقة، بل تتداخل أحياناً القضية السياسية مع البعد الديني، ومحمود محمد طه تداخل في مقتله البعد السياسي مع البعد الديني، ومحمود محمد طه حكم عليه القضاة والعلماء في هذا البلد بالردة قبل أن يصدر النميري حكمه بالإعدام، أما أن النميري نفذ حكمهم لقضايا سياسية أو غيرها فهذا شأن آخر.. وفي الإسلام يصعب فصل البعد السياسي من البعد الديني في مثل هذه القضايا، لكن ما يهمنا: هل تثبت الردة على هذا الشخص؟، فإن ثبتت فما هو الحكم؟.
بابكر:
-هذا يدخلنا في التكفير والردة، وهما متداخلان، هناك من يقول إنه ارتد عن الدين، وهناك من يقولون إن فلانا ارتد عن الدين وفقاً لوجهة نظرهم السياسية، وهذا كان الغالب في التاريخ الإسلامي، وحتى حديث عبد الرحمن الأوزاعي الذي اعتمد عليه محمد في قتل المرتد ورد لأول مرة في ظروف سقوط الدولة الأموية وظهور الدولة العباسية، وأول مرة قاله الأوزاعي في حضرة عبد الله بن علي -عم السفاح أول حكام العباسيين-، فالموضوع مشوب بمحاولة إيجاد شرعية دينية لأن الدين ظل وسيظل في المنطقة العربية أكبر مصادر الشرعية، فالموضوع كان الجانب السياسي فيه مهماً، أن تمنح الحاكم الشرعية ومن ثم يستطيع أن ينفذ أهدافه السياسية.
محمد:
- أريدك أن تذكر النص «من بدل دينه فاقتلوه»، ما هي الظروف التي ورد فيها هذا الحديث عن النبي (ص) ومتى قاله عبد الله بن عباس؟، لأن هذا الحديث ورد في قتل زنادقة في زمن سيدنا علي ممن جاءوه وقالوا «أنت ربنا وأنت إلهنا: فبين لهم سيدنا علي الحق لكنهم ظلوا على هذا الرأي فحرقهم بالنار، فأنكر عليه عبد الله بن عباس بقوله قال رسول الله «من بدل دينه فاقتلوه»، وتلاحظ عدم وجود بعد سياسي لكن الأمر أمر عقيدة.
* ألم يحدث هذا في ظلال موضوع الشيعة والسنة؟
- لو قتلهم خصوم سيدنا علي لجاز لنا أن نقول هذا.
بابكر:
-كلمة زنديق التي وردت في الحديث كلمة فارسية ومعناها من يؤمن بالدهر، لكنها في السياق الإسلامي مختلفة، وسيد سابق في كتابه (فقه السنة) يقول إن الزنديق مؤمن لكنه يقول قاعدة في غاية الخطورة، إنه ينكر ما علم من الدين بالضرورة، وهذا هو المدخل السياسي، لأن هذه القاعدة الفقهية (المعلوم من الدين بالضرورة) متأخرة ولم تكن موجودة في زمن الصحابة والرسول (ص)، وليست محددة ولم ترد في القرآن إنما هي قائمة قابلة للزيادة والنقصان، ولكل شخص الحق أن يدخل فيها شيئاً لتوظيفها سياسياً، وإذا أردت أن أذكر لك مثالاً من سيد سابق نفسه سأفعل.
محمد:
-عندما قال العلماء هذا الأمر، إن الإنسان يكفر بإنكار ما علم من الدين بالضرورة، فلا شك أن هذه القاعدة جاءت بعد استقراء للأحاديث ولآيات القرآن بينت أن من ترك كذا يكفر، وبالتالي فإن هذه القاعدة لم يخترعها العلماء من عند أنفسهم، صحيح أنها لم تكن بهذا التقعيد.
بابكر:
-الخطورة في هذه القاعدة مثلاً أنهم يقولون إن أحد الأشياء التي تجعل المرء ينكر ما علم من الدين بالضرورة أن يطعن في كتاب الله وسنة رسوله، ومعلوم أن الطعن في كتاب الله في تاريخ الإسلام تم توظيفه، لأن المذاهب اختلفت في قضايا كثيرة مثل قضايا خلق القرآن ورؤية الله والقضاء والقدر، وكل فرقة تأتي بدليل من القرآن وتثبت وجهة نظرها، وليس هناك تحديد لإنكار الكتاب والسنة، فمثلا إذا لم أكن سلفياً سأقول إن خلق القرآن قضية، فإذا جاء السلفي يحكم عليه بأنه ينكر القرآن ويقتله أو يعذبه مثلما فعل المأمون مع أحمد بن حنبل، والعكس صحيح، وهذا ما يحدث في هذا الزمان، أن الجهات التي لها خلفيات فكرية مختلفة توظف هذه القضايا الفقهية لتصفى بها الخصومة السياسية.
محمد:
- هناك أناس ارتدوا في زماننا هذا ولم يرتدوا بمثل ما تأول المعتزلة أو الفرق الإسلامية، وتجد بعض الناس الآن لا ينكر ردته عن الإسلام وكتبه تنضح بالكفر الصراح الذي لا يقبل تأويلاً آخر، والردة عندنا تثبت بأمور إما بالمعتقد أو بالقول، أو بترك شرائع الإسلام، لذلك قال العلماء في وصف الفعل أنه فعلاً لا يحتمل تأويلاً غير الكفر، إنسان يسجد لصنم ويعتقد فيه، إنسان يعلق الصليب ويعتقد فيه.
بابكر:
-لماذا لم يقتل الرسول (ص) مرتداً؟.
* ما هي الأدلة التي استند عليها القائلون بحد الردة، من القرآن والسنة؟
محمد:
-من السنة استدلوا بالأحاديث التي ذكرتها.
* ومن القرآن؟
- القرآن لا يوجد فيه نص صريح يرتب عقوبة على المرتد، لكني أقول إن القرآن ذكر الخمر ولم يرتب عليها عقوبة دنيوية ولكن جاءت السنة ورتبت عليها، فما هي مصادر التشريع عند المسلمين؟.
* القرآن لم يرتب على الردة عقوبة دنيوية، فماذا عن السنة؟
محمد الحبر:
- في السنة وردت أحاديث عن النبي، أنه قال «من بدل دينه فقتلوه»، وكذلك فعل الصحابة، فسيدنا أبو بكر قاتل المرتدين وسيدنا علي أقام حد الردة في هؤلاء الزنادقة، ولم أجد خلافاً بين أهل العلم في أن المرتد حكمه القتل، لكن بعضهم يقول يستتاب فإن لم يتب يقتل، وبالنسبة لموقفنا من السنة النبوية فهل هذه السنة المروية عن النبي تفيد حكماً وتشريعاً أم لا؟، وهل لا بد لهذا الحكم حتى يثبت ان يكون موجوداً في القرآن حتى نقول ان هذا الحكم هو حكم الله؟.
بابكر:
- الحنفية على سبيل المثال يقولون إن السنة الآحادية لا تستقل بإثبات الواجب أو المحرم، والشاطبي في (الموافقات) قال نفس الكلام، وإن وظيفتها هي تخصيص علم القرآن وتقييد مطلقه وتفسير مجمله، وحديث الآحاد لا يفيد اليقين.
* فصل لنا حديث «من بدل دينه فاقتلوه»؟
- الحديث رواه عكرمة وهو فارسي، وأدخل كلمة زنادقة في الأحاديث للمرة الأولى فيما أطلعت عليه على الأقل، والحديث الثاني هو حديث الأوزاعي.
محمد:
- هذا الحديث مروي في الصحيحين.
بابكر:
- نعم، هو جاء وقاله بعد قرنين، وقاله في حضرة عبد الله بن علي -عم السفاح- وهذا ما أقصده بالسياق، ولم يذكر السند ولم يذكر رواة، بل قال: قال رسول الله (ص) «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بثلاث: الثيب الزاني وقاتل النفس والتارك لدينه المفارق للجماعة»، والمفارقة أن الأوزاعي قاله لكن البخاري في سلسلة السند والرواة لم يذكر الأوزاعي الذي قال هذا الحديث.
محمد:
- لكنه لم يقله.
بابكر:
-هو أول من قاله، هل سمعته مروياً عن أحد قبل الأوزاعي؟.
محمد:
- الحديث مروي بأسانيد صحيحة في البخاري ومسلم، وكوننا لا نجد الأوزاعي في السند وأن الأوزاعي حدث به بطريق آخر فهذا لا يعني أي شيء، وأحاديث الصحيحين في أعلى درجات الصحة.
بابكر:
-نعم، لكنه لا يفيد اليقين، وهذه نقطة الخلاف، واليقين لا يتم إلا بالسنة المتواترة، وقضية مثل قتل النفس فإن الشيء الوحيد الذي يبيحها في القرآن هو القصاص: «من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً».
* محمد، الآن هناك طعن جوهري، أن هذه أحاديث آحاد ولا ينعقد بها مثل هذا الأمر الخطير؟
- الأحاديث المروية عن النبي (ص) إما أنها متواترة عنه لفظاً أو معنى، أو أنها أحاديث آحاد، وبالنسبة لأحاديث الآحاد فالنظر فيها في ثبوتها عن النبي، هل ثبت أن النبي قال هذا القول أم لم يقله، أما بالنسبة للحديث المتواتر الذي يرويه الكافة عن الكافة فنكاد نصل فيه الى درجة اليقين في ثبوته عن النبي (ص)، لكن قد لا نصل به إلى درجة اليقين في دلالة النص على الحكم، فحديث الآحاد يحتاج أن نمحص ثبوته عن النبي (ص) فماذا نقول إذا ثبت عندنا يقيناً أن النبي قال هذا القول؟، وهل اليقين مطلوب من جهة ثبوت الحديث أم من جهة دلالة النص على الحكم المعين؟.
بابكر:
-من كليهما، هل يستقل حديث الآحاد بإثبات واجب أو محرم؟.
محمد:
-نعم، الله تعالى ذكر المحرمات في القرآن، والنبي زاد على ذلك فنهى أن يجمع الرجل بين المرأة وخالتها، وهذا القول هو قول أهل العلم أن السنة تستقل بالتشريع، لأن الرسول (ص) مشرع، والله تعالى يقول «أطيعوا الله وأطيعوا الرسول»، ومن مقتضيات أن أقول أشهد أن محمدا رسول الله أن أشهد أن ما ثبت عندي أنه نطق به صدق، وأن كل ما أمر به النبي (ص) من أمر يجب أن يطاع، وألا يعبد الله إلا بما شرع، والحديث يقول «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، وإذا أردنا أن نطبق هذه القاعدة على أن أحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في الأحكام فإن أكثر أحكام هذا الدين ثبتت بأحاديث الآحاد، أما مسألة الظن في الحديث فإن القول إن الحديث يفيد الظن الراجح ليس معناه أن الحديث لا يعمل به في الأحكام، فأغلب حياة الناس الآن هي بالظن الراجح وأنت تركب الطائرة ولست على يقين أنها لن تسقط.
بابكر:
-مسألة قتل النفس مسألة كبيرة لا يجوز الأخذ فيها بالظن، لأن حديث الآحاد يفيد الظن، والقرآن تحدث عن هذا الأمر، فإذا لم يتحدث القرآن لقلنا ان السنة فسرت، لكن القرآن قال إن عقوبة هذا الشخص (المرتد) عند الله تعالى.
محمد:
-هل هناك تعارض بين النصين بأن تثبت عقوبة له في الدنيا وتثبت عليه عقوبة في الآخرة؟، لكن كون الآية ذكرت عقوبة أخروية فلا أرى تعارضاً بين الأمرين.
بابكر:
-قال تعالى «وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، فإن كان ربنا سبحانه وتعالى في القرآن خيَّر الإنسان بين أن يؤمن أو يكفر، فهل يجوز أن نقتله؟.
محمد:
-لا.
* محمد، كأنك تقول هناك حرية في دخول الإسلام وليس هناك حرية في الخروج؟
- الله تعالى قرر الحرية الدينية في آيات كثيرة: «لا إكراه في الدين»، «أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين»، هذا أمر مقرر في القرآن ألا يُكره أحد على الدخول في الدين كما كانت تفعل الأديان القديمة، وتحارب على ذلك وتقتل، ونحن لا نقتل من أجل الكفر، ولا نحارب اليهود اليوم لأنهم كفار ويهود، بل نحارب لأسباب رد العدوان والكفر، نأتي إلى قضية الردة، لماذا قررت الشريعة هذه العقوبة للمرتد؟.
بابكر:
-ماذا تعني بالشريعة؟.
محمد:
-أعني بها مصادر التشريع عند المسلمين.
بابكر:
-القرآن لم يقل ذلك وهو المصدر الأول.
محمد:
-قلت إن الأحاديث التي وردت تفيد عندي أنها ثابتة عن الرسول (ص) وكل ما ثبت عن الرسول معمول به عندي وعند من يقول بهذا الأمر، وقضية الدين في حياة المسلمين أعظم قضية والمجتمع المسلم يقوم على هذا الأساس وعلاقته وترابطه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.