وساطة سودانية لإنهاء الحرب جنوب السودان.. تتعدد المبادرات والأزمة قائمة تصريح قصير من الناطق باسم الخارجية السفير علي الصادق يؤكد فيه سعي الحكومة الجاد للعمل على تهدئة الأوضاع في جنوب السودان ورد فعل سريع من قبل وزير الخارجية برنابا بنجامين يرحب فيه بأي وساطة تقودها الخرطوم لرأب الصدع، وإحلال السلام في دولته الوليدة. ربما تبدو المبادرة متأخرة، وربما تبدو ضعيفة باعتبار أنها تأتي في إطار مساعي "الإيقاد" لحل الأزمة في جنوب السودان، وليست مبادرة جديدة من قبل الحكومة السودانية، ورغم ذلك وجدت الترحيب من جوبا التي ما زالت تتبادل الاتهامات مع الحكومة السودانية في دعم ومساندة متمردي الدولة الأخرى. تقرير: لينا يعقوب الشاهد أن العلاقة بين البلدين توترت بسبب هذه الاتهامات التي لا يمر شهر واحد دون أن تبرز للسطح مرة أخرى، والتي عطلت في ذات الوقت مناقشة قضايا مشتركة واتخاذ قرارات بشأنها أهمها الحدود والتجارة وتبادل المنافع الاقتصادية وكل ما جاء في اتفاقية التعاون. ورغم العلاقة الجيدة التي جمعت السودان مع طرفي النزاع في وقت من الأوقات إلا أن السودان وبحسب البعض يملك ورقة الترغيب وليس التهديد مما يضعف قدرته على ممارسة أي ضغط على الجانبين. ولأن العلاقة المتوترة تظهر بصورة أو أخرى، فقد اتضحت ملامحها مؤخرا حينما لم يلبِ الرئيس سلفاكير الدعوة التي وجهت له للمشاركة في حفل التوقيع على اتفاق سد النهضة بين السودان ومصر وإثيوبيا، حيث بعث بنائبه جيمس واني إيقا ليمثل وفد جنوب السودان في الاحتفال. ورغم الأعذار التي سيقت مثل وصوله جوبا متأخرا من رحلة خارجية أخرى، إلا أنها أعطت مؤشرات أيضا لعدم رغبة سلفاكير بالحضور إلى الخرطوم بعد أن تعثر على سلم الطائرة في طريق عودته إلى بلاده في إحدى زياراته للخرطوم. أما الأمر الآخر الذي كان ملاحظا جدا ودل على توتر علاقة البلدين، فهو الاستدعاء الذي قامت به الخارجية بحق سفير جنوب السودان بالخرطوم ميان دوت وول، بسبب اختفاء موظف ضمن الطاقم المحلي يعمل في السفارة السودان في جوبا. فالخارجية حينها استدعت السفير لتحتج له رسميا على استمرار احتجاز الجيش الشعبي للموظف رغم التوضيحات الرسمية التي وصلت إلى الجنوب، وفي ذات لحظات الاستدعاء والاحتجاج، سلمت الخارجية السفير دعوة مكتوبة لينقلها إلى الرئيس سلفاكير تتعلق بحفل تنصيب الرئيس البشير. ولأن حفل التنصيب أجريت له ترتيبات خاصة أهمها مغادرة وزير الخارجية ومدير مكتب الرئيس كمبعوثين لرؤساء الدول لتسليمهم دعوة التنصيب، فإن طريقة الدعوة التي قدمت لسلفاكير أشارت بشكل واضح لشكل العلاقة في الوقت الراهن. اتهامات متبادلة منذ انفصال الجنوب، لم تهدأ اتهامات كل طرف للآخر بإيوائه المتمردين، فالسودان يتهم جوبا بدعم "حركة العدل والمساواة في دارفور والحركة الشعبية- قطاع الشمال في النيل الأزرق وجبال النوبة"، بينما تتجه اتهامات جوبا للخرطوم بدعمها للحركات الجنوبية المتمردة في بانتيو وأعالي النيل، وجونقلي وبحر الغزال. القوات المسلحة ووزارة الخارجية السودانية رفضتا الاتهامات بدعم من يحاربون حكومة سلفا كير، وأصدرتا خطابات تؤكد التزام الحكومة السودانية بسياسة حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدولة الجنوب المنفصلة عنها. بينما جوبا ترى أن هناك علاقة مميزة تجمع حكومة الخرطوم بالمتمرد رياك مشار، واتهمت الحكومة مؤخرا بعد إعلان اللواء جونسون أولونج انشقاقه، أنها كانت على تنسيق مع أولونج ورياك مشار عن طريق بعض عناصر رياك مشار الموجودة في الخرطوم. الأرقام في تناقص تضررت مصالح الجنوب من استمرار الحرب وهو ما يجعلها تقبل أي مبادرة لإيقاف الحرب، ففي آخر تقرير رسمي لحكومة جنوب السودان في مطلع العام 2015 أوضحت المؤشرات انخفاض العائدات النفطية بشكل كبير عقب خروج حقل الوحدة من دائرة الإنتاج جراء الاقتتال بين القوات الحكومية والمتمردين بزعامة رياك مشار، إضافة إلى انهيار أسعار النفط. ورغم أن البترول هو المصدر الرئيسي للدخل في الجمهورية الوليدة، إلا أن التقارير أشارت بعد خفض 884 مليون دولار من المدفوعات المستحقة لدولة السودان وسداد 781 مليون دولار من القروض، فإن ما تبقى لدى حكومة جنوب السودان يبلغ 1.71 مليار دولار من العائدات النفطية. ونتج عن هذا الصراع مقتل الآلاف وتشريد ما يربو على مليون شخص، كما نجم عنه أيضا وقوع أضرار على بعض الحقول النفطية، في حين انخفضت إنتاجية بعض الحقول الأخرى نتيجة للنقص في القطع الاحتياطية. وانخفض الإنتاج إلى الثلث تقريبا ليصل إلى معدل 160 ألف برميل يوميا، بعد أن وصلت معدلاته إلى 245 ألف برميل قبل اندلاع المعارك. ويبدو أن مؤشرات جديدة ظهرت عقب دخول المتمردين في الجنوب إلى منطقة أعالي النيل النفطية التي تمثل المورد الرئيسي لحكومة جوبا كما أنها بمثابة محور رئيسي مغذٍّ للاقتصاد السوداني والذي يجني مقابل عبور النفط عبر أنبوبه رسوما تكاد تمثل ركيزة لاقتصاده. تشكيك في المبادرة الآن من المتوقع أن يزور مسؤول من الإيقاد الخرطوم للتباحث حول المبادرة المتوقع أن تقودها الحكومة السودانية مع الطرفين، والتي تتمثل في إجراء اتصالات مع الأطراف المتنازعة لإيقاف الاقتتال والحرب بينهما بعد أن فشلت جميع الاتفاقيات السابقة. ومع ذلك يشكك البعض في قدرة الإيقاد على إلزام الأطراف بتنفيذ أي اتفاقية أو إيقاف العدائيات بل يعتبرون أن الضغوط من قبل المجتمع المدني لم تجدِ نفعا، وحتى مسألة التلويح بالعقوبات الاقتصادية أو تلك الصادرة من مجلس الأمن بفرض وصاية دولية لم تجعل المتنازعين يذعنون لخيار السلام.