** قلت البارحة إن لجنة التحقيق التي شكلها وزير الصحة لتقصي حقائق ضحايا الأوكسجين بقسم طوارئ مستشفى بحري، قالت إن الدكتورة مزاهر التي كتبت تقارير حالات تلك الليلة تعمل متعاونة بالمستشفى ولم تكن مشرفة على علاج الثلاثة الذي توفوا..ولذلك، استبعدت لجنة التحقيق شهادتها وغضت بصرها عن تقريرها الموثق في دفتر الأحوال، وهو التقرير الذي يؤكد أن الموتى كانوا بحاجة الى الأوكسجين قبل وفاتهم ولم يجدوه..لم تعتمد اللجنة تقرير الدكتورة مزاهر، ولكنها اعتمدت شهادة الدكتور مزمل المشرف الأخصائي الذي نفي تقرير الدكتورة مزاهر نفيا باتا، أو كما قال تقرير لجنة التحقيق.. علما بأن الدكتورة مزاهر التي تحمل صفة المتعاونة، تحمل صفة المدير الطبي أيضا، وبصفة المدير الطبي كتبت تقريرها ذاك، وهو ذات التقرير الذي اعتمده المدير الإداري للمستشفى ..ورغم كل ذلك، رفضت اللجنة اعتماد ذاك التقرير..المهم، إدارة مستشفى بحري سلمت الدكتورة مزاهر خطاب الاستغناء عن خدماتها قبل أن تصدر لجنة التحقيق تقريرها..نعم، مزاهر التي قالت شهادتها ثم وثقتها في دفتر أحوال تلك الليلة هي كبش فداء هذه القضية.. لقد ضحوا بها لأنها كتبت بالنص:(لقد كان هناك مريض بحاجة الى الأوكسجين، وطلبت من العم فتح الله إحضار أسطوانة من العمليات، وحتى وصول الأسطوانة توفى المريض)..ولأنها وثقت بالنص :(لقد أفادنا الدكتور مزمل الأخصائي المناوب بأن هناك ثلاثة توفوا بسبب نقص الأوكسجين)..تلك هي تقارير دفتر الأحوال، وهي بمثابة شهادة الدكتورة مزاهر لله والتاريخ..ولذلك، لم يكن مدهشا أن تكون هي كبش فداء هذه القضية...!! ** ثم..ببريطانيا مستشفى جاءتها مريضة بحالة حرجة ذات مساء، فحولها طبيب عربي الى مستشفى آخر، ولكن حدثت مضاعفات للمريضة في المسافة ما بين المرفقين، وعلمت إدارة المستشفى الذي يعمل فيه الطبيب العربي بما حدث للمريضة، فشكلت لجنة تحقيق، وجاء أعضاء اللجنة بملف المريضة ووجدوا أن الطبيب كتب فيه تقريرا ينتهي بالنص(أخطرت المريضة باحتمال حدوث مضاعفات أثناء الرحلة)، فأخضعت اللجنة هذا النص الى فحص جنائي ثم كشفت بأنه نص مُضاف الى (أصل التقرير) في وقت لاحق، أي كشفت التزوير، فخيرت إدارة المستشفى الطبيب بين الاستقالة أو الإحالة الى المجلس الطبي، فاختار الطبيب الاستقالة ثم الهجرة الى كندا..قصة واقعية يشهد عليها بعض أطباء بلادي الذين زاملوا ذاك الطبيب، ومغزاها هو أن أخلاقيات أي مهنة أهم من الكفاءة والأجهزة في عالم المهن..نعم بالتدريب يمكن تأهيل العقول غير المؤهلة وبالمتابعة الدؤوبة يمكن تحديث الإدارة غير الحديثة وبالمال يمكن تطوير الأجهزة غير المتطورة، ولكن الذمم الفاسدة هي التي لا يمكن علاجها بالمال ولا بالتدريب ولا بالمتابعة الدؤوبة، فالعلاج الناجع لتلك الذمم هو (البتر فقط)، أي بأن تكون المسافة بين أصحاب تلك الذمم وسوح العمل ألف سنة ضوئية، على الأقل.. على كل حال، شيء محزن أن يتم تزوير تقرير لجنة تقصي حقائق، بحيث يضاف نص الى (أصل التقرير)، لإخفاء الحقائق، أو كما فعل ذاك الطبيب ببريطانيا، وهكذا فعلت لجنة تقصي حقائق ضحايا الأوكسجين بطوارئ بحري.. لقد أحسن الدكتور ياسر ميرغني والأستاذ الفاتح الأمين عملا بكشف التزوير، ولكن السؤال: لماذا لم يفعلا ذلك في المؤتمر الصحفي الذي شهد تلاوة التقرير، خاصة وأنهما من الحاضرين؟، بل لماذا لم يطلعا على التقرير بعد التوقيع عليه وقبل عرضه للصحفيين؟.. المهم، مات المرضى وهم بحاجة الى أوكسجين ولم يكن بالطوارئ أوكسجينا، ووجدوا كبش الفداء للقضية، ولا تزال إدارة المستشفى هي ذات الإدارة ولايزال سادة الوزارة هم ذاتهم سادة الوزارة.. وإن الله مع مزاهر وكل الصابرين..!!