تظل فرقة عقد الجلاد الغنائية أنموذجا ناصع البياض للفرقة المهمومة بإنتاج ونشر الغناء الصحيح المعافى في ظل الجدب و" الجرب الغنائي" الذي يسيطر على الساحة الفنية بأكملها والساحة الغنائية على وجه الخصوص، ولعل مناسبة تدشين ألبوم "يابا مع السلامة" اليوم بالمسرح القومي فرصة سانحة للحديث حول دور الفرقة في تنقية وتنقيح المشهد الغنائي في السودان. في الوقت الذي انسحب فيه العديد من المبدعين لأسباب مختلفة من الساحة بقيت عقد الجلاد تتحمل عبء أن تضيء شمعة قبل أن تلعن الظلام، وفي الوقت الذي تساقطت فيه معظم الفرق الغنائية لأسباب موضوعية وأخرى ذاتية ظلت عقد الجلاد شامخة تتعرض للهزات العنيفة وتصمد وتجدد نفسها كما طائر الفينيق بعد كل محاولة قوية لإحراقها. نختلف مع الفرقة في تقييم وتقويم بعض أنشطتها الفنية والثقافية، لكن نحفظ لها دورها في حفظ التوازن والتنوع الحيوي الغنائي في السودان ويعد مشروع عقد الجلاد الغنائي مجهودا فكريا وفنيا كبيرا ينتظر مباضع النقاد المتخصصين، لتحليل الرؤى الفكرية والقيم الجمالية التي تراهن عليها الفرقة في لوحة مشرقة ضمن مشهد يغلب عليه القبح والفوضى والابتذال! قامت الفرقة في سنواتها الماضية بالعديد من المبادرات، وارتكز مشروعها على إعلاء قيمة الشعراء ،وأي شعراء هم؟ يكفي أن على رأسهم الشاعر الكبير محجوب شريف والشاعر المتميز محمد طه القدال، وتضم السلسلة العديد من الجواهر واللآلىء التي غطاها تراب المرحلة المفصلية التي نمر بها، وتقوم الفرقة ب"مسح " ذلك التراب ليظهر التبر بشكله الجذاب. وإذا نظرنا الى نوعية الأغنيات التي يضمها الألبوم نكتشف مدى وخطورة المغامرة الفنية التي تخوض الفرقة غمارها منذ سنوات تأسيسها الأولى ونتوقف –هنا – فقط عند أغنيتين هما" (يابا مع السلامة) كلمات محجوب شريف وألحان شمت محمد نور، ونقطة ضوء وهي أيضا من كلمات محجوب شريف وألحان شمت محمد نور"! مضمون هاتين الأغنيتين يغوص في ثنايا الواقع الاجتماعي ويعيد صياغة وإنتاج قيم إنسانية كدنا نفتقدها في صراع الحياة اليومية، ودهس"العصرنة" لكافة تفاصيل حياتنا اليومية. فقصيده نقطة ضوء كتبها محجوب شريف بمناسبة ولادة ابنته الثانية في زمن كان الأب يسود وجهه إذا بُشّر بولادة البنت واستغل محجوب هذه النقطة الحساسة لوضع نموذج جديد للفتاة السودانية المكافحة مع أسرتها والمتسربلة بكل القيم النبيلة "في اللحظة ديك والتو ... لحظة الميلاد، كنت نقطة ضو، فرهدت بيك فرهيد .... وانتشيت بالريد، وطرت بيك الجو"! أما أغنية "يابا مع السلامة" فهي تعد من درر الرثاء في الأدب السوداني والشعر المحكي باللغة العامية ومهما " كان الشخص الذي قيلت فيه فهي مرثية للزمن الجميل وللسودان القديم ، ويبقى القول أخيرا إن فرقة عقد الجلاد تستحق أن نقف معها وهي "تجازف" بهذا الشكل الفني والمضمون العميق وتعمل كل ما في وسعها للحفاظ على"سودنة كل التفاصيل".