أحمد هارون.. في عين العاصفة بروفايل: عبد الباسط إدريس بين محاولة اغتياله وأخرى لاقالته عن سدة حكم ولاية جنوب كردفان، كان أحمد هارون يحتل واجهة الاحداث التى ألفها وألفته منذ وقت مبكر، ولكنه حجز مقعدا دائما بعد أن بات معروفا على نطاق عالمي بعد أن طالبت المحكمة الجنائية الدولية بتسليمه، وعلى عكس ما تشتهي سفن "الجنائية الدولية" أسندت له الخرطوم المهام الصعبة والمواقع القيادية فتنقل فيها بين الوزارات الاتحادية حتى استوى اخيرا على ولاية جنوب كردفان. صوت الاستقالة ما أن هدأت الاصوات التى نادت باستقالة والى جنوب كردفان احمد هارون من منصبه كوالٍ لولاية جنوب كردفان الشهر الماضي، حتى تعالت مجددا ولكن هذه المرة من الخرطوم لجمع توقيعات إلا ان الخطوة لم تجد تأييدا حيث نفى المؤتمر الوطني بقوة اي اتجاه لعزل الوالي وهي الخطوة التي قابلها انصار الرجل في الخرطوم بتجمع كان الاول من نوعه لابناء الولاية منذ اندلاع الحرب هناك حيث رفض انصاره الاتجاه ووصفوا الخطوة ب(التخزيلية) لكون ان الرجل يقود الولاية في ظروف امنية وسياسية وانسانية معقدة تلت تلك الخطوة هجوم مفاجئ من القيادي السابق بحزب الامة القومي واحد ابرز اعيان المسيرية عبدالرسول النور الذي وصف الرجل بأنه احد عناوين الازمة منتقداً بشدة السياسة التي يتبعها في جنوب كردفان لكونها تتركز حول المعالجات الامنية وتستفرد بالرأي والقرار وتغيب (حكماء المنطقة) ولاتشاور احداً ومضى عبدالرسول النور لابعد من ذلك حيث طالب رئاسة الجمهورية بالتدخل واعفاء احمد هارون من منصبه عبر اجراءات استثنائية تماثل التي تم استخدامها بموجب صلاحيات رئيس الجمهورية الدستورية في النيل الازرق. حديث عبدالرسول النور يرفع الستار لكشف المستور عن أزمة صامته بين الوالي احمد هارون وأحد أهم المكونات الاجتماعية بالمنطقة ويمكن مرد ذلك للإنتخابات الاخيرة التي ووجه فيها المؤتمر الوطني بخزلان مبين من تلك الكيانات الاجتماعية حيث ارتفعت اصوات تنادي بضرورة انشاء ولاية غرب كردفان ومن الممكن ان يقود هجوم عبدالرسول النور الى قراءة جديدة للموقف وهو أن المجلس التشريعي لولاية جنوب كردفان قد اجاز في اجتماع طارئ الاحد الماضي اوامر ادارية بتأسيس (5) محليات جديدة هي (التضامن ،الليري ، قدير، الدبب، الميرم) قال رئيسه ابراهيم بلندية في تصريحات صحفية أن إنشاء المحليات الجديدة جاء لاسباب متعلقة بالامن القومي الامر الذي ربما يفسر قلق بعض المكونات الاجتماعية هناك من تبخر حلم ولاية غرب كردفان بخاصة عقب الشكل الاداري للمنطقة بعد أوامر تاسيس المحليات ويرى عدد من المراقبين بالولاية تحدثوا ل(السوداني) صعوبة اعفاء احمد من منصبه بقرار استثنائي ويستدلون بالثقة الكبيرة التي يحظى بها الرجل من قبل القيادة السياسية العليا وبخاصة (الرئيس ونائبه الاول )، ويقول مصدر حكومي بولاية جنوب كردفان –فضل حجب اسمه- قد يقود حديث اولئك المراقبين لحديث سبق وان ادلى به مساعد رئيس الجمهورية د. نافع على نافع في مقابلة اجرتها معه قناة (الجزيرة) حيث كشف نافع في تلك المقابلة عن يأس توصلت له الحكومة الفرنسية مرده إقتناعها بعدم تسليم السودانيين لاي شخص لمحاكمته خارج السودان وقال نافع ان الفرنسيين طالبوا بإبعاد الوالي احمد هارون وعدم توليه لاي موقع دستوري في الحكومة وهو مارفضه نافع بشدة حيث ذكر انه قال لهم ان لا احد في السودان فوق القانون وان عدة قضايا بشأن دارفور ينظر فيها القضاء السوداني ومنها ما تم الفصل فيه بواسطة ذات القضاء واعتبر ان اقالة احمد من تعيينه مسألة سيادية لاتعني الاخرين في شيء . ثمة مأخذ آخر يحمله المراقبون على احمد ويرون انه قد اسهم بقدر كبير في ازدياد وتيرة انتقادات ادائه ويعتبرون ان انشغاله بالشأن العسكري صرفه عن مهامه السياسية وادى لعدم فاعلية الاجهزة الحزبية والتنفيذية بجانب عدم تفاكر الرجل مع قيادات ابناء المنطقة بالخرطوم حيث لفتوا الى امر آخر غاية في الاهمية وهي ان قضية الحرب غير متفق عليها من قبل كتلة لايستهان بها داخل المؤتمر الوطني بجنوب كردفان حيث يرون ان المعالجة العسكرية وحدها لاتجدي. اكشن وكوابيس وظلت وضعية هارون في مناصب عديدة تجعله يقترب كثيراً من الموت والتحديات الصعبة ومنها المطالبة بالاقالة، وقبل فترة أثناء توتر العلاقة مع الحركة الشعبية و في فناء المطار كان يراقب هارون كل شي حوله ..السيارات..افراد الامن..رجال السلامة، كل ذلك وهو ما زال يمسك بيد القيادي بالحركة الشعبية ياسر عرمان مودعا، قبل أن يشير بشكل مفاجئ لاحد مساعديه بيده اليسرى فهمس قليلاً، قبل أن ينهي وداع ضيوفه القادمين لاحتواء احداث كادوقلي. صعد لعربته قبل مغادرة طائرة ضيوفه قائلاً لضيوفه:"يا اخوانا..السلام عليكم..وتصلوا بالسلامة" وصعد عربته قبل مغادرة الطائرة، لم يمض كثير وقت قبل أن ينهال الرصاص على السيارة وهي تنهب الارض مبتعدة عن مرمي القناصة الكامنين لها، وخلفها عدد من سيارات الحماية الذين تكفلوا بتبادل النار. هارون بحدثه الامني توقع ان يكمن القناصة لها فى طريقه من الطيارة الى سيارته لعدة امتار ولكنه غير مخططه تماماً فاربك حسابات مستهدفيه. ظل هارون على اتصال دائم بالموت طيلة حياته السياسية، اولى تجاربه الموثقة مع الموت كانت في العام 1996 حينما تولى إدارة السلام بولاية جنوب كردفان حيث تعرض لمحاولة اغتيال مجهولة المصدر إذ نصب له كمين برفقة وزير المالية الحالي حافظ سوار في منطقة خور (زينب) بين العاصمة كادقلي ومدينة الدلنج، وفي منطقة عطار بولاية اعالي النيل والرجل يجوب ارجاء الجنوب مع وزير الدولة بوزارة الدفاع الشهيد العقيد ابراهيم شمس الدين بطائرته (الهيلكوبتر) تعرضوا لإطلاق نار فاصيب جناح الطائرة ولكنها هبطت بسلام، وليس بعيدا عن تلك الواقعة وفى ذات الولاية وفى اعقاب اتفاقية نيفاشا كان هارون برفقة وزير اركان الجيش الشعبي وقائد سلاح المهندسين اللواء حسن صالح عندما اصيبت طائرتهم بصاعقة رعدية مما ادى لان تفقد الطائرة توازنها وهي تحاول الخروج من اجواء ولاية اعالي النيل في طريقها الخرطوم، قبل ان تستعيد توازنها بعد مجهود كبير من الطاقم ولم يسلم ركابها من الرضوخ والكدمات. حادثة عدرايل بإبتسامة ملؤها الامل كان المنسق العام للشرطة الشعبية احمد هارون يتأمل من على نافذة طائرته حين قطع احد قادة الجيش تاملاته تلك منادياً إياه للدخول الى صالون الطائرة حيث كبار قادة الجيش الذين تجمعوا هناك مع العقيد إبراهيم شمس الدين إبراهيم ، يناقشون شئونا عسكرية لا قدرة على المدنيين بتفكيك شفراتها ، جلس هارون يستمع فما يدور بين طيات السحاب داخل صالون الطائرة الصغير اوسع من ان يقال هناك الى الاسفل على بعد آلاف الاميال .... كانت الطائرة التي تسمى (بطائرة العقيد) إختصاراً لاسم وزير الدولة بالدفاع ورجل الجيش القوي إبراهيم شمس الدين عبارة عن غرفة عمليات متحركة لا تكاد تربض في مكان واحد وبينما هي كذلك فإذا بها تصطدم بالارض أثناء عملية هبوط متعثرة مما ادى لتكاثف الدخان بداخلها، رجح الكثيرون حينها ان الاختناق هو السبب الرئيس في إستشهاد وزير الدولة بالدفاع واربعة عشر ضابطاً رفيعاً برفقته، ولكن من بين ذاك الحطام اطل هارون عبر نافذة الطوارئ ومعه ناجون يعدون على اصابع اليد الواحدة .. خرج احمد هارون الذي يبدو انه يجيد كثيراً الخروج من المطبات حتى إقترب كثيراً من القول انه كلما حاصرته ازمة إستطاع ان يفتح منفذاً للطوارئ كان آخره بمنطقة العتمور التي كانت تضج بلحظات السعادة والانتصار خاصة بعد وصول هارون في معية كبار القادة لاداء التحية للقوات المسلحة وهي تضطلع بمسؤلياتها الوطنية في دحر التمرد وعقب مخاطبته للجنود الذين حياههم على طريقته الخاصة ضجت مزاريب المكان الذي إشتعلت فيه الحماسة وارتفعت خلاله الروح المعنوية للمواطنين بالولاية قبل القوات النظامية وحين همَّ بمغادرة فإذا برصاصات تنهال على عربته ، كانت تلك هي الاعنف والاكثر دقة ولكن للموت ميقات نجا هارون من تلك الحادثة وقال ل(السوداني) فى معرض تعليقه عليها وما يتعرض لها من حوادث:"ليس هناك شئ يذكر، وكل شئ على ما يرام"، لهجة هارون المقللة لما حدث توحي بان لسان حاله يقول (فابطشي ماشئتي فينا يامنون)، لاسيما وانه يردد أنه (الشهيد الحي) في السودان، لافتاً إلى أن لديه تجارب عديدة سابقة مع الموت أدت إلى نشوء إلفة بينهما.