الدكتور حازم الببلاوي، نائب رئيس الوزاء ووزير مالية حكومة مصر ما بعد الثورة، بادر بتقديم موقف نبيل للناس والحياة قبل شهر ونيف، ونال موقفه ذاك استحسان الرأي العام هناك..استلم حازم ذاك المنصب، ثم قدم استقالته للمجلس العسكري بعد ثلاثة أشهر فقط لاغير من تاريخ أداء قسم الاستلام.. الرجل لم يجد في موازنة الحكومة مبلغا قدره فقط نصف مليار جنيه عبارة عن أموال التأمينات والمعاشات، وكذلك واجه تعنتا من قبل بعض الشركات التي تلكأت في تنفيذ أحكام قضائية، ثم كانت فتنة أحداث ماسبيرو التي راح ضحيتها بعض أبناء مصر..تصالح د.حازم مع ذاته وصدق مع ضميره وشعبه، ثم خرج إليهم بلسان حال قائل : عفوا، احتمال هذه القضايا فوق طاقتي، وهذه استقالتي، مع الشكر والتقدير .. !! وهكذا دائما تتصالح الضمائر اليقظة مع ذاتها وتصدق مع رعيتها، ويوشح التاريخ أصحابها بأوسمة الصدق والأمانة والشجاعة.. ولكن، فلنقرأ ما يحدث للأهل بالمناصير على لسان وزير مالية حكومة نهر النيل، أي أحد أولياء أمرهم .. إذ يحدق وزير ماليتهم في مشهد اعتصامهم، ثم يقول لصحف البارحة بمنتهى البراءة : (حكومة نهر النيل لا تستطيع تنفيذ مطالب المعتصمين، وخاصة أنهم رفعوا سقف المطالب بصورة كبيرة جدا، شملت عشرة مطالب ومنها إدخال خدمات الكهرباء والمياه للمنطقة)، هكذا تحدث وزير ماليتهم، ولا يزال يشغل منصبه بلسان حال قائل: (خلاص، افتكر كدة عملت العليّ)، وبالتأكيد لم - ولن - تحدثه نفسه بأن المسؤول العاجز عن حل قضايا رعيته يجب أن يترجل عن موقع المسؤولية، طوعا واختيارا، أي بالتصالح مع ضميره والصدق مع رعيته، أو كما فعل حازم وألف حازم من ذوي الضمائر اليقظة..!! وزير مالية مصر لم يرث تلك الأزمات التي تستدعي الاستقالة، بل تفاجأ بها، ولو كان يعلمها لما قبل بذاك المنصب .. ولكن وزير مالية نهر النيل، بل كل حكومة نهر النيل، على علم بأزمة المناصير، وعندما ترشح الوالي منهم واليا واستوزر الوزير منهم وزيرا كانوا على يقين بأن أزمة المناصير هي أم الأزمات بولايتهم، ومع ذلك لم تحدثهم أنفسهم بأن حل تلك الأزمة يجب أن يدرج في جدول أعمالهم وخطة عملهم حين يتولون مناصب الولاية، بل كان ولايزال وسيظل فقط تولي المناصب هو مبلغ علمهم وأكبر همهم وغايتهم العظمى، وماعدا المناصب ومزاياها(كل الذي فوق التراب تراب)، مناصيرا كانوا أو غيرهم، أو هكذا نهج سادة حكومتهم وولاتها.. ولذلك ليس بمدهش أن يفترش الأهل هناك ثرى الدامر ويلتحفوا برد الشتاء، بحثا عن حق الحياة الكريمة، بيد أن وزير ماليتهم يخاطبهم بخطاب فحواه : (أنا ماعندي حل لمشكلتكم دي)، ولا يغادر موقعه ليفسح الطريق (للعندو حل).. فالمهم عندهم - حسب فهمهم لمعاني المسؤولية - أن يظل الوالي فيهم واليا والوزير منهم وزيرا، و(حريقة في الرعية وقضاياها)..ولا يسأل أحدهم نفسه : من المكلف بتنفيذ قرارات رئاسة الجمهورية؟، ولماذا لم تنفذ؟ فلنتأمل مطالب المناصير التي يصفونها بالتعجيزية ذات السقف العالي..(الكهرباء، وأعمدتها تمر بأرضهم وأسلاكها تخترق فضاءاتهم، وهم الذين لم يرفضوا إغراق مهد طفولتهم ومسقط جدودهم لتمر تلك الأعمدة والأسلاك شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، لتضيء بيوتات غيرهم وتزرع مشاريع غيرهم وتدير مصانع سواهم..المياه، وهم الذين حين يجلس أحدهم على عتبة منزله ويمد رجله، تلامس أصابعه مياه بحيرة السد.. تعويضات ما فقدوها، وهي ذات القيمة التي تعود قيمتها إلى العام 2007)..تلك هي الحقوق التي يجب أن تقدمها أية حكومة لمواطنها، وإن عجزت عن تقديمها ترحل، والمناصير لم يطالبوا بغير تلك الحقوق، فأين السقف المرفوع في تلك الحقوق يا وزير ماليتهم ؟..هم لا يحلمون – ولا يطلبون - بأن يكونوا مثلكم، حيث عربة الميري وبيت الميري وكهرباء الميري ومياه الميري وعلاج الميري وحوافز الميري..بل سقف مطالبهم - منذ إغراقهم وإلى يوم اعتصامهم - لم يتجاوز (أن يعيشوا في هذه الحياة).. نعم ما يراه سيادتك سقفا مرتفعا ومطلبا تعجيزيا ليس إلا طلبا لحق البقاء على قيد الحياة.. وإن عجزت حكومتكم عن صون هذا الحق، فلترحل.!!