لقد بُترت أنامل بورتسودان الذهبية برحيل فنانها التشكيلي أبو الحسن مدني بعد أن ظلت تُجمل هذه المدينة قبل أن تداهمها ثورة التجميل الايلاوية، كنا نقف مبهورين أمام لوحاته وهي تجسد مظاهر الحياة في شرقنا، كانت مجسماته تقف شامخة على صواني المرور بالمدينة، لم يكن في مقدور شرقنا أن يقيم معرضاً دون أن يفرد جناحاً لأبو الحسن مدني، كان بارعاً في رسم طقوس حياة إنسانه بما هو متعارف عند التشكيليين بالمباشرة (المفهومة) وليس تلك التي تحتاج لمن (يفلسفها) مع الاعتذار لابن أخيه الأستاذ عبد الرحمن نور الدين مدني ابن القامة الصحفية نور الدين مدني الذي يشغل منصب رئيس اتحاد التشكيليين السودانيين إذ أثبت أن الولد عمه وليس خاله. كان قد احترف أيضاً فن التصوير الفوتوغرافي والفيديو فوثق لأهل بورتسودان مناسباتهم وأفراحهم، كان كالنسمة يمشي بين الناس، لم يكن يعرف خيلاء النجومية التي لم تجد إليه سبيلاً وقد قدِم لبورتسودان في بواكير شبابه بعد أن رضع من ثدي عطبرة وقد ارتشف رحيق أصالتها، ورحيق تميز وإبداع أسرته الكبيرة. كان قد صمم شعار مديرية البحر الأحمر ثم شعار ولاية البحر الأحمر ولم يقل يوماً إن له حقاً يتصل بالملكية الفكرية لأنه جُبل على السير في دهاليز العطاء وليس أرصفة المغانم والحقوق، فهل من مبادرة ولائية تعيد إلى أسرته الصغيرة بعض حقوقها بمنحها مشروعا استثماريا صغيرا إذ لم يستبق لديها سوى حزمة من فرش ألوانه التي جمل بها حياتنا. هكذا رحل أبو الحسن مدني في صمت مهيب والمدينة تسدل الستار على سوق عكاظها مهرجاناً سياحياً، رحل دون أن يحظى بالتفاته لأنه لم يكن بارعاً في فن تسويق الذات (سمة العصر)، فالأمة التي لا تحتفي بمبدعيها غير حفية بأن تأخذ موقعاً في خارطة الحضارة الإنسانية. نم قرير العين مبدعنا أبو الحسن مدني في عليائك لدى مليك مقتدر، وسيظل عطاء أناملك يمشي بيننا إبداعاً وقد أنخنا في سوحه ناقتنا، وحططنا رحالنا .. وأضرمنا نارنا .. وارتشفنا قهوتنا .. فما أجمله من مقام في حضرة إبداعك. هاشم كنة المحامي - بورتسودان