لم يتوقف الشارع السياسي عن تبادل الآراء و الأطروحات عقب حديث السيد وزير العدل محمد بشارة دوسة القاضي بضرورة مراجعة الحصانات الدستورية.. و اعتبرها الكثيرون تصريحات على صفيح ساخن تضع الكثير من الدستورين تحت طائلة المساءلة القانونية وتفتح الكثير من الملفات والقضايا المعلقة التي تقف الحصانة الدستورية حائلاً أمام البت فيها. وقد أكد دوسة في تصريحه لل(الإذاعة السودانية) بضرورة مراجعة الحصانات الدستورية، وكشف عن نسبة تفوق ال (25%) من العاملين بالدولة يتمتعون بالحصانة . مؤكدا ومشدداً على أن الحصانة ليست ل(الشخص) ولكنها ل(الوظيفة) ومشيراً إلى انتشار الحصانات داخل المؤسسات التشريعية والتنفيذية، وقال إن منحها للتمييز بين الأشخاص غير مبرر. لا كبير إن الغاية من حصانة الموظف هي حمايته من الملاحقة القضائية عن الجريمة التي يرتكبها في معرض مهامه الوظيفية أو بسببها حتى صدور الإذن بملاحقته من الجهة صاحبة الاختصاص بمنح الإذن. وقد وجدت تصريحات وزير العدل صدى واسعاً في أوساط المراقبين والمحللين السياسيين و اعتبروا ما جاء عن الحصانة الدستورية أمر لابد منه مهما طال الزمان و التي أكد عبرها أن وزارته تتجه لعقد ورشة عمل حول الحصانات للخروج بتوصيات تعمل على تضييق دائرتها. وطالب المحلل السياسي د. حسن الساعوري في حديثه ل(السوداني) بضرورة إلغاء الحصانات الدستورية ، مبرراً ذلك بأن الحصانات لاتجوز شرعاً لأنها تسهم في ارتكاب الجرائم و اتساع دائرتها ، ووفق القانون لابد من معاقبة المجرمين وبالتالي لابد من معاقبتهم دون رفع الحصانة. وأشار د. الساعوري إلى أن الحصانة لها الكثير من السلبيات وأولى هذه السلبيات أنها لا توقع العاملين تحت طائلة القانون وبالتالي تدعم انتشار الجريمة بكافة أنواعها، واستطرد قائلاً ( لا كبير على القانون) في الشريعة و بالتالي لابد أن لا يكون هناك كبير على القانون المدني. فيما أبان /أن اتجاه وزارة العدل الخاص بمراجعة الحصانات الدستورية وعقد ورش عمل حول الحصانات والعمل على تضييق دائرتها/ يعتبر خطوة جاءت متأخرة جداً في ظل السعي لتطبيق الشريعة والمشروع الحضاري فكان لابد من مراجعة الحصانات. بدون حصانة وفي ذات الصدد برر محمد بشارة دوسة وزير العدل قراره القاضي بعدم القبض على المستثمرين بأن القرار يهدف إلى منع حالات الابتزاز التي يتعرض لها عدد من المستثمرين وفتح بلاغات ضدهم الأمر الذي دفع الوزارة إلى ضرورة خلق مناخ قانوني ملائم للمستثمرين. ويتفق الخبير القانوني د. نبيل أديب مع حديث د. الساعوري فيما يتعلق برأيه بتأخر الخطوة من قبل الدولة لدراسة وضع الحصانات و العمل على تضييقها وقال د. نبيل في حديثه ل(السوداني) إن المحكمة الجنائية قالت إن القانون السوداني ملئ بالحصانات وبذلك بررت اتهاماتها لرأس الدولة وأركان حربه، ملمحاً إلى أن الحصانة الدستورية لبقية المسؤولين بالدولة تخرق حقين دستوريين أولهما حق المساواة أمام القانون ومواجهة الاتهامات دون تمييز و الآخر خرق حق اللجوء للقضاء، وقال د. نبيل أديب إن هنالك مناصب دستورية تستوجب الحصانة كمنصب رئيس الجمهورية الذي يجب أن يتمتع بحصانة أثناء توليه الحكم بالإضافة إلى منح أعضاء البرلمان (حصانة موضوعية) تختص بما يدلون به من آراء في المناقشات البرلمانية وتكون هذه الحصانة مرتبطة بانعقاد جلسات البرلمان وليست (أبدية) وأضاف : في كلا الحالات لابد أن تكون الحصانات محددة تحديداً قاطعاً سواء كانت (موضوعية أو إجرائية أو غيرها) خاصة و أننا أصبحنا نعيش في عالم لايعترف بالحصانات خاصة عندما يتعلق الأمر بالجرائم الدولية وأصبحت الكثير من دول العالم تعترف بالاختصاص العالمي في محاكمها ونحن يجب أن نساير هذا الاتجاه ، مؤكداً أن أي حصانة يمكن إزالتها بإجراءات برلمانية وفي الدستور يجوز رفعها بواسطة البرلمان والمحاكمة مشيراً إلى أن رفع الحصانة لايمنع حق الدفاع عن النفس . عقبات العدالة واعتبر خبراء قانونيون أن الحصانة معوق للعدالة وتقف عقبة في طريق حسن الأداء ويمكنها أن تتسبب في ارتكاب مجموعة من الجرائم تحت مظلتها مطالبين بضرورة إلغاء الحصانات التي يتمتع بها الكثير من المسؤولين كالوزراء و الضباط لتحقيق مبدأ المساواة بين المواطنين ، واعتبر الخبير القانوني د. عبد المنعم عثمان إدريس في حديثه ل( السوداني) أن مفهوم الحصانة مفهوم قديم جداً بدأ منذ بداية قوانين حكم عرابي فمنذ العام 1954م وكانت هناك حماية للحكام و المستعمرين. وأضاف : نتفق مع السيد وزير العدل بضرورة مراجعة الحصانات الدستورية التي تمنح للدستوريين من وزراء اتحاديين وولاة الولايات والوزراء الإقليميين والضباط ، خاصة أن الشريعة الإسلامية لا تعرف حصانة لحاكم أو محكوم وقد أمر القرءان الكريم في آيات كثيرة بإقامة العدل بين الناس دون مراعاة للوظيفة أو السلطة موضحاً أن الحصانات تختلف بحسب طبيعة الوظيفة على سبيل المثال حصانة ( القضاة والمحامين) فالأولى يرفعها رئيس القضاة و الثانية يرفعها نقيب المحامين ، وفيما يتعلق بالمستشارين بوزارة العدل يقوم برفعها السيد وزير العدل أومن يقوم بمقامه. وأشار د. إدريس إلى أن الحصانة يجب أن تمنح لرئيس الجمهورية ونوابه وغير ذلك فإن الحصانة تعوق سير العدالة وتعطل إجراءاتها الأمر الذي قد يعرض معالم الجريمة للضياع. وقال: لم يميز الرسول صلى الله عليه وسلم بين ابنته وكافة البسطاء من الناس مستشهداً بالحديث النبوي(لوسرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها). قرارات حاسمة لم تقتصر تصريحات السيد الوزير على ضرورة مراجعة الحصانات بل كشف عن العديد من المهام والقرارات التي وضعتها وزارة العدل ضمن استراتيجتها من ضمنها توفر الإرادة السياسية لمكافحة الفساد عبر مختلف الآليات على مستوى الوزارة والبرلمان ورئاسة الجمهورية مشيراً إلى التنسيق بين تلك الآليات. وكشف وزير العدل عن تشكيل لجنة دائمة للاطلاع على ما تثيره الصحف من قضايا متعلقة بالفساد ومن ثم تبدأ التحريات الأولية وفتح البلاغات في أية شبهات بالفساد داعياً المواطنين للعمل على كشف الفساد والتقدم بشكاوى في ذلك لمحاصرته، ولعل تضييق دائرة الحصانات بالدولة من شأنه أن يسهم في حسم الكثير من ملفات الفساد التي شرعت الدولة في حسمها.