في يناير من العام الماضي أثارت دموع النائب البرلماني عن المؤتمر الوطني عبد الرحمن علي الصافي، التي ذرفها تحت قبة البرلمان بسبب حالات الاعتداء على المال العام حفيظة الكثيرين وطرحت تساؤلات عدة حول القضية مثار الجدل، وهي تكرار (سيناريو) الاعتداء على المال العام الذي لا ينتهي. وقال النائب في إفاداته التي أوردتها أجهزة الإعلام: (كانت عيوني تذرف الدموع طيلة مدة تلاوة البيان، غير أن جاري في الجلوس قال لي ستكتسب مناعة ضد هذا الفساد!!). وكان البرلمان كشف – وقتها - عن تهرب (14) وحدة حكومية من ديوان المراجع العام في مقدمتها وزارة العدل ومجمع الفقه الإسلامي، وأعلن عن انخفاض عدد الشركات والهيئات التي لم تُقدِّم حساباتها الختامية للعام المالي 2009م إلى (35) وحدة، بعدما كانت (48) قبل عدة أشهر، وأكد البرلمان استرداد (47%) من المبالغ المُعتدى عليها في نطاق الأجهزة الاتحادية التي بلغت في الفترة من سبتمبر 2009م إلى أغسطس 2010م (65) حالة إقرارات الذمة وزارة العدل كشفت عن توزيعها ل(8131) إقرار ذمة على شاغلي المناصب الدستورية والتنفيذية، ولقيادات الخدمة المدنية العُليا، وقيادات الأجهزة النظامية، واستلام العدد المذكور من الإقرارات بعد ملئها. وطبقاً لتقرير الوزارة الذي قدمّه وزيرها محمد بشارة دوسة أمس الأول (الأحد) في البرلمان فإن لجنة فحص إقرارات الذمة باشرت عملها بعد أن كان متوقفاً إلى وقت طويل. وكان وزير العدل أصدر قراراً بتشكيل لجنة لتنسيق الجهود للحفاظ على المال العام ومُكافحة التعدِّي عليه، ومحاسبة المُعتدين. وأصبح الدستوريون وكبار المسؤولين أمام خيار ملء استمارة إبراء الذمة بأمر المادة (75/1) من الدستور الانتقالي لسنة 2005م والمادة (9) من قانون مُكافحة الثراء الحرام والمشبوه لعام 1989م. قضايا المال العام بصورة عامة أثارت حولها غباراً كثيفاً إذ رأى الخبير القانوني عبد المنعم عثمان إدريس، في حديثه ل(الأهرام اليوم) أن طرائق القبض على أي متهم أيَّاً كان نوع جريمته سواء أكانت في الاعتداء على المال العام، أو أية جريمة أخرى تخالف القانون الجنائي، أو أي قانون جزائي في قانون الإجراءات الجنائية الذي حدَّد التدابير التي تقود للقبض على المتهمين المطلوبين للعدالة. بينما طالب الأستاذ الجامعي والمحلل حسن الساعوري، في حديثه ل(الأهرام اليوم) بضرورة تفعيل الآليات المنوط بها العمل على مكافحة الفساد وتدعيمها، وتجويد أدائها، ومنحها مزيداً من الصلاحيات ومساعدتها في القبض على المتهمين، ونوَّه إلى أن الدولة في حاجة إلى تدعيم قوانين المراجع العام للكشف عن الفساد من قبل المراجعة الداخلية والخارجية، مؤكداً على ضرورة استعجال حسم قضايا الفساد من قبل المراجع العام، وتفعيل جهاز (الأمن الاقتصادي). حالات رصد دقيقة تقرير وزارة العدل أماط اللثام عن إحصائيات نادرة، وكشف عن تلقيها ل(183) طلباً لرفع الحصانة عن حامليها و(4590) مُطالبة مدنية ضد أجهزة الدولة. وأفصح عن تصفية (110) شركة حكومية وإيقاف (96) اسم عمل، وفسخ (61) عقد شركة، بجانب إيداع (157) رهناً مع صياغة (8,372) عقداً حكومياً. وفتحت النيابات العامة (731295) دعوى جنائية وفتحت النيابات المُتخصصة (67621) دعوى جنائية. وحوى التقرير الذي تلاه وزير العدل محمد بشارة دوسة، أمام البرلمان (الأحد) أرقاماً ورصداً دقيقاً لحالات الاعتداء على المال العام والفساد، شملت أسماء المتهمين وموقفهم القضائي، التي قال إنها بلغت (39) حالة بإجمالي (5,208,043) جنيهاً، أحالت نيابة الأموال العامة (18) حالة منها للمحكمة، وصدرت أحكام في (9) منها وقيمتها (1,809,718) جنيهاً، فضلاً عن وجود (9) حالات أخرى أمام منضدة القضاء قيمتها (1,857,463) و(4) حالات ما تزال قيد التحري أمام النيابة تبلغ قيمتها (1,031,575) بجانب (3) حالات رهن التحري لهروب المتهمين وعدم تمكن السلطات من القبض عليهم وتقدر قيمة الأموال بحوزتهم (158.414) جنيهاً. ودافع دوسة عن وزارته ومنسوبيها بعد أن وجه أحد النواب هجوماً قاسياً على ديوان النائب العام، واصفاً إياه بأنه أكبر ظالم للخدمة المدنية في السودان لجهة تحول المستشارين المنتدبين لتلك الجهات إلى مديرين بدلاً عن موظفين في الخدمة، واعتبره اختراقاً للخدمة المدنية وتسبب في إصابتها في مقتل. ليدافع دوسة الذي أكد أن أولئك المستشارين يعملون وفقاً لقانون الوزارة، وأن الأجهزة الحكومية هي من تطلب انتدابهم، ملوحاً في الوقت ذاته بسحبهم حال طالبت الأجهزة الحكومية بذلك، مطالباً النائب البرلماني سحب وصفه لوزارة العدل ب(الظالمة) وقال بأن مهمة العدل ليست سهلة وأنهم يكتوون بها ولا يدرون إلى أين تسير بهم. إعلان الفساد على الملأ الساعوري عاد وأكد ل(الأهرام اليوم) على ضرورة الدور الرائد لوسائل الإعلام في محاربة الفساد عن طريق تمليكها الحقائق والمعلومات التي تُسهم في كشف الفساد وملاحقته، داعياً إلى ضرورة تفعيل الآليات المنوط بها كشف الفساد، والعمل على مُعاقبة المفسدين وإعلان قضايا الفساد على الملأ. بينما قال رئيس اللجنة الاقتصادية والمالية بالمجلس التشريعي لولاية الخرطوم أحمد دولة، في حديثه ل(الأهرام اليوم) إن القرار القاضي بتشكيل آليات لمكافحة الفساد وملاحقة المتهمين في قضايا الاعتداء على المال العام من قبل نيابة المال العام يُنبئ عن شفافية في الحكم وترصد الفساد وملاحقته للمتهمين، والعمل على إبادته نهائياً، وطالب الجهات المُختصة بمساعدة الآلية التي شكلها البرلمان لمكافحة الفساد، وإعطائها التفويض الكامل والصلاحيات، للقيام بمهمتها في هذا المجال، ودعمها بقوة من أجل تحقيق أهدافها التي أُنشئت من أجلها، مؤكداً على ضرورة توفر مختلف التخصصات في لجنة آلية مكافحة الفساد، وناشد بضرورة دعم آليات مكافحة الفساد بالقوانين التي تُسهم في تسيير عملها دون اللجوء إلى أية جهة، وشدَّد على ضرورة وضع محاذير من استغلال هذه الصلاحيات والسلطات لتجريم الأبرياء دون الاستيوثاق من المعلومات وإحاطتها بالسرية التامة