حميد هذا الرجل الحدث الإنسان، الرقيق، الشفيف، العفيف، هذا الرجل القامة بحجم هذا الوطن، لمَ رحلت هكذا دونما استئذانٍ، لمَ لم توادع نخلاتك التي فرحت طرباً ورقصت بهجةً بعودتك، لمَ لم تخطرها بأنك ذاهبٌ ولن تعود مرةً أخرى، لمَ لم تبك بين ذراعيها وتفارقها فراق المحب.. لكنك لم تكن تدري أنّ الأقدار أسرع وأقوى منك ومنا، لذا لم تمهلك لتوادعهم، هكذا هو الموت سر وفلسفة لا تنتهي، فلان كان معنا ليلة أمس كان يحادثني ويتكلم معي.. اتصل بي قبل ساعات لمَ لم يخبرني برحيله أو أنه ذاهب؟ كيف يخبرك وهو لا يدري أنها الأقدار ومشيئة الله تعالى.. رحلت يا حميد وتركت دمعاً ثخيناً مريراً.. عندما سمع النخيل خبر رحيلك اهتز رطبه وبلحه سقط حزناً مغمياً عليك.. أين ذاك الذي يسامرني ويكتب في الكلام الرصين؟ أين من أحببت وأحبني؟ لمَ ليس هنا الآن؟ لا تحزني أيتها النخلة لم يشأ أن يفارقك ولكنها يد المنون وإرادة المولى قدرت ذلك، هو لم يجد أحن وأرأف وألطف منك، عاد إليك بعد طول غياب رفض بسببك المناصب والمكاتب والراتب، إنما قال لهم: (تجدوني مع النخلة)، فأية منزلة قد وضعك فيها هذا الإنسان.. (كان بدري عليك تودعني وأنا مشتاق ليك).. وكان بدري يا حميد تذهب وتتركنا جيل اليوم نبكي حسرةً وألماً عليك.. كنا نريد أن نجلس إليك أكثر وأكثر، نحادثك ونلاطفك، تعلمنا كيف يعيش الإنسان ليسعد أخاه الإنسان.. ولكن سيوارى جسدك التراب وسندفنك كما نستعد لإحياء ميلاد نخلة جديدة بمعانٍ وقيم أسمى وأرفع بأن نعطر سيرتك العطرة ونوثق لكل جميل كتبته، فهذا دَين علينا أن نحيي ما كتبته ونورثه للأجيال القادمة إن اتفقنا معه أو اختلفنا، وإن انتمى الى أي حزب، يكفي أنه كان شاعر شعب وأبرع وأجاد في وصف الريف والعامية.. لذا نبكيك سيدي.. عذراً سيدي ... فقلمي صار ثقيلاً متثاقلاً على الكتابة لأني رأيت قطرات دمع عليه فاعذرني سيدي فمثلك كان كثيراً علينا. المريود