تنامت في الفترة الأخيرة ظاهرة الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة، وهم فئة من المجتمع ابتلاها الله بنقص في أحد وظائف أعضائها، كأن يصاب شخص بالعمى أو في أحد أطرافه، ويولد آخرون بهذه الابتلاءات والعاهات الخلقيّة. ونتيجة لهذه الظروف، الخاصة التي تحيط بحياتهم، فإن المجتمع -الرسمي والأهلي- وضع لهم امتيازات تعينهم على التكيف مع الحياة. لكن في السودان لا تزال النظرة لهذه الفئة قاصرة، وما زلنا ننظر إليهم بعين الانتقاص من قدرهم أو الشفقة عليهم، وفي كلا الحالتين، فإن ضرراً بليغاً يصيبهم، فإذا خرج احد الأكفِّاء (جمع كفيف) في الشارع العام، فإن نظرة السخرية والتهكم تلسعه، ويسمع المرء كلمات من شاكلة (هو الأعمى ده المرقو من بيتو شنو؟). ويكفي هؤلاء شرفا أن الله تعالى عاتب الرسول صلى الله عليه وسلم عتابا لطيفا وثبت نصا قرآنيا يدعو للاهتمام بهذه الفئة وذلك في الواقعة المعروفة في سورة "عبس". ويحتقر أغلب كماسرة الحافلات، المعوقين الذين يحملون بطاقة تتيح لهم التنقل عبر وسائل المواصلات مجانا، فتجد الكمساري يقلّب البطاقة على كل الجنبات وينظر إلى ذوي الاحتياجات الخاصة، وكأنه يمثل نظام (الفحص الآلي) ثم (يطنطن) بعد ذلك ويؤذي صاحب الحق ويلحق به ألما ًمعنوياً لا يداوى! أما في مجال التعليم فحدث ولا حرج، فمثل هؤلاء الأشخاص يجدون مشقة كبيرة في الاندماج في مجتمع الدراسة، خاصة إذا كان الشخص الذي ابتلاه الله بنتاً، وللاسف الشديد فإن المعاناة تنتج - في كثير من الاحيان- من الأساتذة وليس من التلاميذ والتلميذات، وقد عايشت العديد من المواقف التي تؤكد حديثي هذا. وإذا تجاوزنا المدرسة أو الجامعة، نجد الاسر- ذاتها- تقع في المحظور، فبعض الآباء والأمهات جنوا على فلذات أكبادهم بعزلهم في أماكن مخفية داخل البيوت وتشديد الحراسة عليهم، ويزداد الأمر إذا كانت الإعاقة تخلفا ذهنيا، وبذلك ينشأ ضحية الإعاقة في بيئة تحاربه معنوياً ولا تساعده على الإندماج. وإذا استطاع أحد هؤلاء الأشخاص التفوق أكاديمياً -وكثيرون فعلوا ذلك- فإن المستقبل أمامه مسدود، لأنه لن يجد وظيفة، صحيح أن القوانين في السنوات الأخيرة نصت على تخصيص نسب معينة من الوظائف لذوي الاحتياجات الخاصة، لكن هذا الأمر لا يزال مجرد قوانين على الورق فقط وغائبة عن أرض الواقع. لقد تفوقت علينا الأمم المتحضرة باهتمامها بهذه الشريحة من المجتمع، وفي البلدان التي يحترم أهلها الإنسان والقانون، تجد الناس أكثر حرصاً على تطبيق اللوائح والقوانين التي تساعد ذوي الاحتياجات الخاصة، باعتبار أن ذلك حق لهم وليس منّة أو مكرمة. يجب أن نحمد الله كثيراً إذا جمعتنا الظروف بأحد أفراد هذه الفئة وأن نتذكر فضل الله علينا ونشكره على نعمة الصحة العافية، وأقل درجة في هذا الشكر هي إعطاء هؤلاء الأشخاص حقوقهم ومعاملتهم بموازنة شديدة، بعيداً عن القسوة أو العطف. ونأمل أن تقوم مؤسسات المجتمع المدني بدورها كاملاً في نشر الوعي والتبصير بحقوق هذه الفئة، والضغط على الجهات الأخرى حتى يتم تنفيذ القوانين وإعطاء ذوي الاحتياجات الخاصة حقوقهم كاملة، وبالزيادة، استناداً على القيم الراكزة في مجتمعنا الإسلامي والسوداني.