د. حامد البشير إبراهيم هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته كان النهار حاراً كعادته في خط 12 والكل يلهث من زمهرير الصيف حيث يصبح أرحب مكان في القرية لاحتضان النفس الآدمية المتعبة هو راكوبة (هبابة) كبيرة ومجموعة من العناقريب موزعة بصورة عشوائية على جنبات المكان بحيث تسمح بخصوصية وحرية نسبية للمستظلين في لا ظل إلا ظل الراكوبة. عم ماهل كان واجماً ممسكاً بعكازته ويرسم خطوطاً عشوائية (أيضاً) على الأرض تشبه تخطيطات حياته (الجايطة) والمتعبة. لم يكن عم ماهل مخططاً ماهراً في حياته.. إنه رجل انفعالي.. حماسي.. من نوع أولئك الذين يصفونهم في الكتب "سريع الغضب سريع الرضا" والتي يرى الكثيرون أنها قد تكون من صفات الرجل الصادق أو الصالح. عم ماهل لم يدعِ صلاحاً في يوم من الأيام ولكن يصفه الناس بالصدق. - المهيدي: ياعم ماهل أنا اتكلمت مع الفكي أحمد بإنو ما يعمل ليك حاجة (!) - حاجة شنو (؟) - يعني ما يعمل ليك عمل وكده (؟) "ما يطبك". - والله إن عمل لي عمل أنا تاني أدُقُهّ دقة أُخُتْ الموت... دقة اسمها عرب ساروا. (المهيدي ينادي فكي أحمد أبوكرش من قطية معزولة على الطرف الآخر من ميدان القرية ويطلب منه أن يعافي عمي ماهل وأن لا يضره بشيء) (!!). فكي أحمد يصافح عم ماهل ويقول ليه: أنا ترى ما زعلان منك إنت أخوي، لكن غشيم.. والغشامة ده من رب العالمين.... إلا الله يديك العافية. وزاد مستطرداً: - أهلنا قالوا ياماهل: أخوك أسأل من عافيته ما تسأل من نافلته (طبيعته).. إنت زول غشيم إلا أنا عافي منك. بعد قليل توافد آخرون كعادتهم للراكوبة للقيلولة ثم صلاة الظهر في جماعة انتظاراً للغداء وللأنس وتبادل المعلومات والأخبار. لقد اندهش الجميع من رؤية عم ماهل والفكي أحمد أبوكرش يتبادلان أطراف الحديث وكأن شيئاً لم يكن.. أدرك الجميع بحاستهم السابعة أن المهيدي قد رتب للصلح في الراكوبة.. وهكذا هي الحياة حيث "المتجاورات متعاورات" والنزاع والصراع هو من صميم طبيعة الحياة ولا يوقف سريانها. - إنت يالمهيدي الدية حقت عيال كنجاري ده كلامها شنو ما عرفناه، وسمعنا بيها أمس في السوق، وقالوا إنت الوكيل هنا ومسؤول من جمع الدية والعود. - نعم كلام الدية ده صعب خلاص. عبدالله ود كنجاري زي ما عارفين ياجماعة زول بصير بطهّر العيال في البادية وفي الصعيد غادي، وعبدالله ده من خشم بيت ناس (قَمَرْ) وهم حلفاء لنا طبعاً وعودنا واحد معاهم في الدية وعموديتنا معاهم واحدة. عبدالله مشى طهّر وليد عمره (10) سنوات من خشم بيت (قادم)، وأثناء ما بطهِّر في الوليد، الوليد فرفر شديد والموس قطعت الحشفة الفوقانية بتاعة ذكره، أها الولد ودوه الدكتور وعالجوه، لكن الحشفة الفوقانية ده مقطوعة، أها الكلام ده قبل 11 سنة، الأهل من خشم بيت قمر وقادم قعدوا وقالوا ياجماعة في العرف (الضكر) بتحسب نص الراجل، لكن الولد لسع شكة ما انقطع، ننتظر لغاية ما يبلغ رشده ويتزوج، إن قدر (...) زوجته، خلاص، وإن ما قِدِرْ كمان خشم بيت قَمَرْ يدفع دية نص الراجل عند الحوازمة وقدرها 31 بقرة (30 بقرة للولد وتور للكرامة والمعافاة والمصافاة، السنة المضت الولد اتزوج بنت عمه في الصعيد وقعد معاها ستة شهور ما قدر....ها النسوان الكبار مشن فتشن البنت وقالن والله البنت قاعدة (صَمَّة) في بُكُانها". سعد الله: نعم الله أمره غالب... الله في كتابو قال واحدين بديهم ذرية وواحدين ما بديهم.. نعم ده أمر الله. عم ماهل: والزول الطهّار دا دقوا مالو (؟) والله أنا كان في.. إلاّ أسكت ساكت. المهيدي: ياجماعة أيّ زول يودي ليه شغل للسوق يوم الجمعة يبيعن ويجيب لي عوده (مساهمته). عم ماهل: كتر خيرك يا ولدي.. أنا عندي ديك وجدادة (ولا وراهن ولا قدامهن) يوم الجمعة بوديهن السوق وبدفع عودي مع الرجال... التزم الجميع... التزام بدأه عم ماهل وبدور ليشمل كل مجتمع القرية ثم يعود إليه كما بدا غاماً كالسبحة التي شاهِدهَا المهيدي. ....... ثم يقوم الجميع لصلاة الظهر... والاستغفار. ... وعند الانتهاء من الصلاة سعدالله يطلب من الحضور الفاتحة: - يا جماعة الله يرفع البلاء والغلاء.. والجميع يرفع يديه بالفاتحة وعند الانتهاء يعلق عم ماهل: - نعم بالله يا سعد الله يا ولدي.. البلاء ده من الله، إلا الغلاء ده من الجلابة ومن الحكومة القاعدة ده(!!) قول الله يرفع مننا الحكومة ده ذاتها وكمان يرفع مننا الجلابة. - والله انحن مع الحكومة دي بس وليد تابع حبوبتو. (رد عليه سعدالله). - إنت يا سعد الله الحبوبة ده ما بتموت تخلي وليد بنتها ده وحيدو يشوف لي شغلة يشتغلها... قالها عم ماهل محتجاً على (طبطبة) سعد الله وعلى خطابه الإنهزامي فيما يبدو. - المهيدي: قوموا الغداء ياجماعة.. غسلوا أيديكم عيب الزاد ولا عيب سيدو... (الليلة الملاح، سمح). - يا أبوي المهيدي أنا كلام الدية ده في بلدنا هنا ما عرفته (؟) كده فسره لينا: سأل الفضيل طالب الدبيبات الثانوية. - المهيدي: الدية عندنا هنا في دار الحوازمة 61 بقرة للراجل وللمراة 31 بقرة. هي أصلاً 60 للراجل والواحد الزيادة ده تور الكرامة، لأنو بعد الدية أهل المقتول وأهل القاتل بقعدوا وبتصافحوا وبتصالحوا مع بعض؟ الدية براها ما كفاية لازم يتم التصالح والتعافي (حسب العرف) عشان الناس بعد داك يعيشوا مع بعض. - الأستاذ إبراهيم الإحيمر: دا ياجماعة اسمه لقاءات الحقيقة والمصالحة وده الابتكار الاجتماعي السياسي الذي قدمه الزعيم الإفريقي العظيم نيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا بعد انتهاء الفصل العنصري وتأسيس الدولة على تجاوز مرارات الماضي والعيش مع بعض استشرافاً لمستقبل زاهر.. ديل القادة العظماء ما شاءالله. - عم ماهل: الزول العظيم القلتو دا يا أستاذ إبراهيم من أهلنا الرواوقة ناس كادقلي ولا شنو(؟) - الأستاذ إبراهيم: كادقلي بتاع مين، جنوب أفريقيا ده دولة عظيمة في القارة الإفريقية ياعم ماهل. - عم ماهل: والقارة الإفريقية ده من وين ل (كاودا) يا أستاذ إبراهيم(؟) أستاذ إبراهيم يأخذ إبريقه ويذهب إلى (الُمستراح) (بيت الأدب) في هذه الأثناء ويهمهم بكلمات غير مفهومة.... المهيدي: أها ياجماعة نجي لكلام الدية عندنا هنا: الزول كان قلع عين زول الدية 10 بقرة. والزول إن قطع أضان زول الدية 5 بقرة. والزول إن أيّ واحد من أصابع اليد الخمسة عندو دية حسب الأصبع وموقعه في اليد. الفضيل: أها والزول كان ضرب لي زول وفلقه في راسه(؟). - أهل الضارب يتكفلوا بعلاج المضروب ويتم الصلح بعد داك. - أها وفي دواس النسوان(؟) - برضو في دية. - أها إن واحدة قامت معطت شعر التانية. - برضو في عُرف للمعط بتاع الشعر، وزاد المهيدي: برضو السن عندها دية والشلوفة عندها دية(؟) - يعني العُرف مغطي كل شيء يا خالي المهيدي(؟) - نعم مغطي كل شيء. - والكلام ده مكتوب وين(؟) سأل الفضيل. - لا ده (علم فاخورة) ساكت، ده ما مكتوب، ده في الرأس بس. ......... حينما يموت الكبير في القرية الإفريقية هذا يعني أن مكتبة كبيرة قد احترقت.... وانقطع الحوار.