هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته اتيحت لي فرصة المشاركة في دورة الانعقاد الأولي للمجلس القومي للتخطيط الإستراتيجي لهذا العام 2012 التي إلتأمت في قاعة الصداقة في السادس من الشهر الجاري وخاطب جلستها الاولى السيد رئيس الجمهورية وادار جلساتها النائب الاول لرئيس الجمهورية. شهدت الدورة مشاركة واسعة من الوزراء وولاة الولايات والمعنيين بالتخطيط بحكم مواقعهم. وكانت القاعة والشرفات مكتظة حتى نهاية اليوم مما يعني ان جهود الامانة العامة للمجلس نجحت في توسيع دائرة الاهتمام بالتخطيط الاستراتيجي وان المسئولين بدأوا يدركون اهميته. خصصت الدورة حسب جدول الاعمال للنظر في حصيلة أداء الخطة الخمسية الأولي 2007-2011 والتداول حول وثيقة الخطة الخمسية الثانية 2012-2016 وكان المشاركون قد تلقوا وثائق الدورة قبل وقت كافٍ واستعرضت امامهم ملخصات لها. بالنسبة لي بدت الخطة الخمسية2012-2016 مجموعة اشواق وطموحات يصعب انزالها الى ارض الواقع. لانها لم تجب على السؤال الاول من اسئلة التخطيط الاستراتيجي.. اين نحن؟ فقد جاءت امتدادا للخطة الخمسية السابقة وهذا يعني انها لم تعترف بالتغيير الجوهري الذي حدث. واننا انتقلنا الى دولة جديدة غير الدولة التي وضعت الخطة الخمسية الاولى ونفذت فيها. ورد السؤال..اين نحن؟ الذي يتم من خلال الاجابة عليه التعرف على الوضع الراهن بمسمى "الوضع الابتدائي" في مصفوفة الخطة الخمسية التي بين يدينا. والتي ما زلت ارى فيها خطة خمسية اولى، في استراتيجية قومية ربع قرنية اولى، تبدأ بهذا العام 2012 وتنتهي في العام 2037م. باعتبار ان الخطة الخمسية السابقة كانت الاولى والاخيرة في دولة غادرناها في التاسع من شهر يوليو الماضي ثم تغيرت الكتلة الحيوية(الارض والسكان). فلا الموارد ولا السكان ولا المساحة ولا اجواء البيئة الخارجية والاقليمية الحالية هي نفس تلك التي وضعت فيها الاستراتيجية القومية ربع القرنية والخطة الخمسية السابقتين. اذن علينا ان نتوافق بانه لدينا خطة خمسية اولى في استراتيجية قومية ربع قرنية هي الاولى ايضا. تبدأ هذا العام وتنتهي باذن الله في عام 2037 بعد ربع قرن.. هذه الخطة رغم انها عرضت في مرحلة الاجازة الا ان وضعها الابتدائي الذي نعرف منه اين نحن لم يحسم بعد حسب علمي وسنتها الاولى تكاد تنتصف. بل ان الوضع الابتدائي الذي طلبت الامانة العامة للمجلس الشهر الماضي من الوحدات الحكومية اضافته الى مصفوفة الخطة الخمسية قد لا يكون استكمل بعد. واذا كان ذلك كذلك فان الذين اعدوا الخطة لم يتمكنوا من دراسة الكتلة الحيوية وتحليل القدرات. وبالتالي لا يمكنهم التعرف على نقاط الضعف والقوة ولا الفرص والمهددات. لم تبين لنا الخطة كيف تم تحديد الوضع الابتدائي(الوضع الراهن) في مؤسسات القطاع الخاص التي يقع على عاتقها تنفيذ ما لا يقل عن 70% من برامج ومشاريع الخطة. فهل لدينا احصائية بعدد هذه المؤسسات وامكانياتها المالية وقدراتها. وكم منها سيستطيع الصمود في ظل الظروف الحالية بعد توقف عشرات المصانع وتعثر العديد من الشركات وهل يستطيع النظام المصرفي تمويل متطلبات الصناعة مع الوضع الحالي للدولار على الاقل في السنة الاولى للخطة والذي ربما يستمر في سنتها الثانية. ايضا اعتقد انه ليس من المنطق ان نبني على مستخلصات الخطة الخمسية 2007-2012 فالسودان الذي كان يشكل كتلتها الحيوية ومرجعيتها لم يعد موجودا. فذاك بلد اخر زمرناه لله وما تبقى لنا هو التجربة والمراس والتدرب على اعداد الخطط الاستراتيجية القومية. اثناء المداولات ورد حديث مقتضب عن السياسات الحاكمة للخطة الخمسية لم اجد له اجابة في الوثائق التي وضعت بين ايدينا. فمثل هذه الخطط تصاغ ضمن استراتيجية قومية تسبقها سياسات اتفق على تسميتها موجهات اوسياسات استراتيجية قومية. ويجمل خبراء الاستراتيجيات هذه الموجهات في ما يعرف باستراتيجية الامن القومي. وتعرف لدى بعضهم بالسياسات الاستراتيجية للامن القومي. وحسب فهمي المتواضع لا نستطيع ان نضع استراتيجية قومية وشاملة تنبثق منها خطط خمسية ثم برامج ومشاريع ان لم تكن لدينا استراتيجية للامن القومي. والتي ازعم انها لم تتوفر للذين وضعوا الاستراتيجية القومية الشاملة لان السودان حتى اليوم لم يمتلك استراتيجية لامنه القومي. ان اهمية وجود موجهات او سياسات حاكمة او استراتيجية للامن القومي يكمن في انها البوصلة الموجهة للاستراتيجية القومية الشاملة. وبما انها سياسات فهي التي تحدد المصالح القومية National Interests وليس الاستراتيجية القومية الشاملة. هذه المصالح لا يمكن معرفتها الا باجراء تحليل استراتيجي للوضع الراهن في جميع قطاعات الدولة للخروج بنقاط القوة والضعف والفرص والمهددات. يعقب ذلك او يتزامن معه اطلاق حوار وطني تشارك فيه جميع مكونات المجتمع وينتهي الى توافق ورضاء واجماع وطني على تلك المصالح ومن ثم يسعى الجميع لتحقيقها وتصبح بمثابة خطوط حمراء للحكومة والمعارضة ولكل قطاعات المجتمع. اذن وضع الاستراتيجية القومية الشاملة يتطلب ان تسبقه صياغة استراتيجية للامن القومي تشمل رؤية الدولة ورسالتها وقيمها ومبادئها ومصالحها العليا لانها ستكون حاكمة وموجهة للاستراتيجية القومية الشاملة. ضمن هذا المفهوم اقترح احد المتداخلين اثناء المداولات ضرورة وجود جسم او جهة محايدة تراقب وتقيم وتقَوِّم مسار وتنفيذ الخطة ولعله لحظ ان عمليات التقييم والتقويم تتم من خلال تقارير الاداء التي تقوم الوزارات والولايات بدراستها وتحليلها وتقييمها حيث يعدها الموظفون الذين يقومون بتنفيذ الخطط والبرامج والمشاريع والانشطة وهم جهة غير محايدة (وثيقة الخطة الخمسية نظام المتابعة والتقويم/ الصفحات 84،85،86). ذلك الجسم او الجهة المحايدة هو في رأينا الجهة التي تضع استراتيجية الدولة استراتيجية الامن القومي ولديها من الآليات ما يمكنها من رعاية المسار الاستراتيجي للدولة وضبط مسار الاستراتيجية القومية الشاملة التي تنفذ الحكومات المتعاقبة خططها الخمسية. وليس الوحدات الحكومية او الامانة العامة للمجلس القومي للتخطيط الاستراتيجي. واخيرا هناك سؤال لم يُِثَر اثناء التداول ورأيت ان اطرحه هنا وهو.. ما هي الجهة التي استقى منها معدو الخطة الخمسية معلوماتهم؟ حسب علمي، من الاجهزة التنفيذية في القطاعين العام والخاص وهذا يشكل نقطة ضعف كبيرة في الخطة. وكان ينبغي ان تأتي المعلومات من جهة مستقلة ومختصة هي مصلحة الاحصاء وليست اية جهة اخرى. كما ان مصلحة الاحصاء هي التي ينبغي ان تضع مؤشرات القياس والتقويم وليس الامانة العامة لمجلس التخطيط الاستراتيجي. وقفة من بين التحديات التي اكد عليها السيد رئيس الجمهورية في خطابه وأمن عليها النائب الاول لرئيس الجمهورية المتغيرات التي تأتي من الخارج كالاعتداءات والمؤامرات والقرارات الجائرة واضيف اليها المهددات الموجودة في الداخل. وقد نبه بروفيسور حسن عثمان عبدالنور في مداخلته الى قضية الامن الغذائي وقال انها قضية أمن قومي وهي كذلك. وتحدث اكثر من متداخل عن قفة الملاح وارتفاع الاسعار. ضمن ما تلا علينا المقرئ في افتتاح الدورة قوله تعالى "يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ....". يوسف الاية46 لا يختلف اثنان في ان بلادنا تمر بسنوات عجاف، مستهدفة، يتكالب عليها اعداء الخارج والداخل ويشددون عليها الحصار. وهناك مخاوف من ان يطل شبح مجاعة 4198/85 فلماذا لا يخصص العام الاول من هذه الخطة الخمسية للامن الغذائي وزراعة المشاريع الزراعية المروية الكبرى بالمحاصيل الغذائية الذرة والقمح والدخن والفول ثم عباد الشمس والذرة الشامي لانتاج الزيوت؟ فامتلاك الغذاء بالنسبة لنا قضية امن قومي. واذا امتلكنا غذاءنا نستطيع الصمود امام التحديات. واضعين في الاعتبار ان مناطق الزراعة المطرية التقليدية في جنوب كردفان والنيل الازرق وبراري دارفور غير آمنة. واخشى ان يخرج معظمها من الموسم الزراعي هذا العام. * صحفي