بعد أن إتضح لكل السودانيين أن نيفاشا ماهي إلا سراب يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجد إلا سلام كسيح... ووحدة ميتة.. وإنفصال مشوه وأن معاهدة نيفاشا ماهي إلا مفرخ حقيقي للحروب وفوضى الحدود وعدم الإستقرار للشعب من البلدين خصوصا الذين يقطنون على جانبي الحدود الذي كان الإنفصال المشوه غير السلس وبالا عليهم كل ذلك من نفحات نيفاشا التي تهب على الشعب السوداني من إحتلال هيجليج إلى قرار مجلس الأمن رقم 2046 والذي أجبر الدولتين السودان وجنوب السودان على وضع المفاوضات في ترتيب زمني أقصاه ثلاثة أشهر وذهب ابعد من ذلك إذ وضع عقوبات للدولة التي تعرقل المفاوضات والتي بأي حال لن تكون دولة الجنوب وذهب بعيدا جدا في شأن داخلي يهم دولة شمال السودان حيث زج بالحركة الشعبية قطاع الشمال في أجندة المفاوضات والعودة إلى إتفاق (نافع- عقار) والقرار بحد ذاته قرار مريع في حق سيادة دولة السودان وقد عبر عن ذلك الخبير الدولي المفتي (إن القرار يعد أسوأ قرار رآه في حياته صدر ضد السودان).. انتهي.. صحيفة "السوداني" 12 مايو 2012 ومضى الخبير القانوني المفتي يفند قرار مجلس الأمن (إن القرار ليس فيه إدانة للحركة الشعبية فيما يتعلق بهيجليج، وفيما يتعلق بالأضرار، إن القرار وضع إطارا زمنيا ضيقا لتنفيذ كل شئ ماعدا الأشياء التي تهم السودان وعلى رأسها الخسائر ومن يتحملها لا يوجد إطار زمني، إن النصوص والترتيب الداخلي في القرار وضع أول شئ النفط ثم وضع الحريات الأربع ومن ثم الحدود) إنتهي - نفس المصدر السابق – وهذا معناه إعادة نفس سيناريو نيفاشا التي حولت انتصار القوات المسلحة في الميدان الى هزيمة مريرة في المفاوضات لأن الضعف يكمن في الجانب السياسي أي في المؤتمر الوطني وحكومته ووفده المفاوض، ولعيب أساسي وهو أن المؤتمر الوطني يفقد كروت ضغطه وينزع أنيابه قبل الدخول للمفاوضات وهذا ما سنوضحه في هذا المقال ونوضح الأخطاء القاتلة أثناء المفاوضات وأثناء تطبيق الإتفاقية وقبيل الإنفصال. أما أثناء المفاوضات إرتكبت أخطاء فاضحة أهمها إن الحكومة ووفدها المفاوض مارس سياسية دفن الرؤوس في الرمال وتناسى أن يفاوض في القضايا المهمة في حالة الإنفصال الذي هو أمر واقع بنسبة 50% مثل الحدود والنفط والجنسية والعملة وغيرها حتى وإن كانت مجرد خطوط عريضة تكون بمثابة خارطة طريق لترتيبات ما بعد الإنفصال ولكن للأسف أهمل التباحث في شأن الإنفصال في غفلة مخجلة من الحكومة ووفدها المفاوض والذي يدفع ثمنه الشعب السوداني من حروب وعدم إستقرار وغلاء في المعيشة أما الخطأ الثاني الذي أرتكب أثناء المفاوضات ذهاب المؤتمر الوطني ووفده الى المفاوضات بدون ممثلين آخرين للشعب السوداني من أحزاب وأكاديميين ومجتمع مدني لذلك خدعنا وظهرت بساطة الحكومة ووفدها المفاوض وفي غفلة منهم مُلئت اتفاقية نيفاشا بالثقوب والألغام والمؤتمر الوطني يمني نفسه والشعب السوداني بالسلام والوحدة الجاذبة، والذي أدركه الشعب جيدا إن الأمر فيما يلي المفاوضات ليس في يد المؤتمر الوطني وحكومته ولا في وفده المفاوض ولا في يد الحركة الشعبية ولا في يد الإيقاد و لا حتى في يد الإتحاد الأفريقي أو الآلية الأفريقية رفيعة المستوى برئاسة امبيكي إنما أمر المفاوضات في يد أمريكا وحلفائها والدليل أن نيفاشا هي نتاج الدراسة التي قام بها معهد السلام الأمريكي والتي تبنتها الإيقاد والمبعوثون الأمريكان الذين سكنوا في الخرطوم لمراقبة سير إتفاقية نيفاشا ولإصلاح ذات البين بين شريكي نيفاشا ثم أخيرا قرار مجلس الأمن 2046 وأجندة التفاوض ومدة التفاوض وكل ذلك فرض بالقوة وتحت التهديد والإكراه أعتبر فيها دولتي السودان قاصراً لا يعرفان مصلحتهما ويمكن أن يوضعا تحت الوصاية. ومما يؤسف له إن نفس الأخطاء ترتكب وهاهو المؤتمر الوطني يعزل الشعب ورموزه من المشاركة في المفاوضات وحتى عندما طلبت المعارضة المشاركة وأرسلت رسالة الى المبعوث الأمريكي للمشاركة في المفاوضات تفاجأ الشعب السوداني إن الرفض جاء سريعا ليس من ثامبو امبيكي الوسيط الأفريقي إنما للأسف من المؤتمر الوطني حيث قال نائب أمين أمانة الإعلام ياسر يوسف إن على المعارضة إن كان لديها رؤية أن تكتبها وتقدمها الى لجنة التفاوض وأعتبر المحلل السياسي الساعوري المنتمي للمؤتمر الوطني (إن المعارضة في حالة تخبط ولا تدري أن تحالف المعارضة متمسك لإسقاط النظام فكيف يشارك ذات النظام الذي يريد إسقاطه في المفاوضات ذلك عليهم أن يشاركوا في الحكم حتى يشاركوا في المفاوضات) جريدة السوداني 27 مايو2012 ألم نقل إن الذي أورد البلاد مورد الهلاك هو عناد وإستفراد المؤتمر الوطني ليس في ما يلي الحكم فقط أنما نصّب نفسه وصيا على الشعب وحقوقه ثم إن الذي يناقض نفسه ويتخبط هو المؤتمر الوطني إبان إحتلال هيجليج من قبل الحركة الشعبية وقف الشعب وقفة واحدة لعلمه أن هذا هو وطنه وترابه بغض النظر عن من يحكم وفي إنتهازية واضحة صار قادة المؤتمر الوطني يوزعون صكوك الوطنية على أفراد الشعب هذا خائن وهذا قومي والآن إن الشعب ومعارضته يعرف تماما إن القضايا العالقة بعد الإنفصال شأن يخص الشعب تماما بغض النظر عن من يحكم ثم (ما الذي ادخل الشامي مع المغربي) كما يقول المثل المصري من حقنا أن نتساءل عن العلاقة بين مطالبة المعارضة المشاركة في المفاوضات بإعتبارها شأن يخص الشعب وأرضه وبين مشاركة المؤتمر الوطني في حكومته الكالحة اللهم إلا إذا كان المؤتمر الوطني يظن نفسه هو السودان والسودان هو المؤتمر الوطني وبقية الشعب هم لاجئون في وطنهم السودان. أما الأخطاء في أثناء تطبيق نيفاشا هي الترتيبات الأمنية لم ينزع السلاح من الجيش الشعبي شمال حدود 1956 ولذلك فرخ الحروب في النيل الأزرق وجنوب كردفان أما الخطأ الكبير هو الغموض الذي يحيط بالمشورة الشعبية والذي فسرها شريكا الحكم سابقا (المؤتمر الوطني - الحركة الشعبية) كل على هواه ووفدنا لم يحرص على تحديد معنى المشورة الشعبية وكانت من قنابل نيفاشا المؤقتة، في أثناء تطبيق نيفاشا إن شريكي الحكم قد امضيا الفترة الإنتقالية في تشاكس وتخاصم في عدم مسئولية وإستهانة بالشعب ولم يتحملا مسئولية السلام لذا خذلوا شعوبهم. أما من الأخطاء القاتلة قبيل الإنفصال وعندما علم الشعب وقبله المؤتمر الوطني وحكومته إن الجنوب سيصوت للإنفصال لماذا لم تصر الحكومة على حسم الملفات العالقة قبل الإستفتاء وعلى رأسها الحدود كيف نسمح بإنفصال دولة من الدولة الأم بدون أن نرسم حدودها (قبل أن نفرز عيشتها) ثم كانت هناك فرصة لما كنا أول دولة تعترف بدولة الجنوب قبل أن نحسم القضايا العالقة والتي علقت معها الشعب من الدولتين وإنطبق علينا ما حدث للمرحوم ياسر عرفات الذي إعترف بدولة إسرائيل وبحقها في الوجود قبل أن تعترف إسرائيل بفلسطين وحقها في الوجود. كل هذا إهمال وتقاعس من المؤتمر الوطني وحكومته وأطمع فينا الحركة الشعبية وجعلها تحتل أراضينا وعلى رأسها هيجليج لتخنقنا إقتصاديا وترسم الخرائط كيفما تشاء وحدودها متوغلة في أراضي الشمال في هوان أكثر من ذلك؟. والآن الذي يقف أمام السودان ليس الجنوب و حركته الشعبية والتي نعرف أنها تعاني من قصور النظر والخواء الفكري أنما هو الغرب بمجلس أمنه ومن تحتهما الإتحاد الأفريقي وآليته وامبيكي وأما وفد المؤتمر الوطني كما هم ذاهبون بعين واحدة وافئدتهم هواء، أما إذا تساءل الشعب وصرخ المنتقدون لماذا لم يتغير الوفد المفاوض خصوصا بعد فشله الزريع في مفاوضات نيفاشا وادخل البلاد والعباد في متاهة لم نخرج منها الى الآن وذلك لسبب بسيط هذا الوفد مصر عليه الذين ذكرتهم أعلاه وان أمريكيا من خلفها الغرب لا يريدون أن يتعبوا أنفسهم بدراسة سلوك ونفسيات وفد جديد ثم إن وفد المؤتمر الوطني برئاسة إدريس عبد القادر، ما شاء الله عليهم قد أعطى الحركة الشعبية ومن خلفها الغرب ما تريد وتشتهي وصار وفد الحكومة مثل صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين يستمر في هذا المنصب عقودا من السنين دون السماح له حتى بالإستقالة.