(تاني قام واحد جميل في بلدنا ماتْ!) بقلم د. مبارك بشيرُ فقد السودان وفقد الإبداع السوداني والعربي المبدع الدبلوماسي والإنسان سيد أحمد الحردلو. منذ سنوات الدراسية الأولى عرف الحردلو بنبوغه العلمي إلى أنْ تخرج من جامعة القاهرة الأم، متخصصاً في الأدب الانجليزي، ومنذ صباه الباكر، عشق سيد أحمد الأدب، وأصدر ديوانه الأول "غداً نلتقي" عام 1960م. وظلّ يرفِد الحركة الشعرية بأعمال شعرية مميزة مثل "بكائية على بحر القلزم"، و"نحن عن علم الغرام الغراما"، وقد صدرت أعماله الشعرية في مجلد واحد، قدم له الطيب صالح. انتبه الطيب صالح لعشق سيد أحمد الحردلو للوطن. الأمر الذي دفع ثمنه غالياً، تشريدا ونفياً بل وصحة، حيث ظلّ المرض ينهش جسده، لكن روحه ظلت على العهد بها قوة وتماسك. وظلّ في الصفوف الأمامية مع المنافحين عن الوطن، وعن الإنسان السوداني تمتع سيد أحمد الحردلو بموهبة إبداعية، وله مجموعة ذائعة الصيت "ملعون ابوكي بلد" وكذلك كتب العديد من النصوص المسرحية التي يستخدم فيها العامية جنباً إلى جنب مع الفصحى في تناغم جميل. عمل الحردلو دبلوماسياً وظلّ واحداً من رموز الدبلوماسية، من كانوا خير سفراء لهذا الوطن العظيم. ألا رحم الله سيد أحمد الحردلو، بقدر ما أعطى الوطن " *(اتحاد الكتاب السودانيين 9/6/2012) (1) "سيد أحمد الحردلو شامي" .. آخر الراحلين من قبيلة المبدعين السودانيين نهار الجمعة 8/6/2012 فقد جديد في مسلسل الفقد العظيم في عام ألفين واثني عشر . التاريخ مهم وليس الأمر مفصولاً عما جرى في البرية نحمد الله بداية ومنتهى حتى لا يثب أحد ما، فوق أكتافنا، بتهمة الاعتراض على المشيئة "، "وطِب نفساً إذا حكم َ القضاء" والإشارات تترى من الجهات الأربع! هل غادر الشعراء من ...؟ لو تابَعنا أرشيف "السوداني" عدد الجمعة الأسبوعي نموذجاً، لاكتشفنا بسهولة وإمكان، في مراسم الاستضافة الأسبوعية، لتك "الكتابات" ، منذ بداية العام الجاري الموشك على الانتصاف، حجم الحزن الكامن في جوف المراثي السادلة. رحيل المبدعين إشارة لا تخطؤها العين ولا الفؤاد، عن موت دنيا "يملكها من لا يملكها، أغنى سادتها أهلوها الفقراء" ! إشارة بوشم الدم ، عن السفر المباغت والفجائي في زمن التقاطعات المفصلية، بين هذا وذاك بين زمن قضى، وزمن آت، بين الهنا والهناك. وقبل أن نرخي ستار الدمع على الحبيب الحردلو، نشدو معاً بمقطع قصيدته المرثية لمصطفى سيد أحمد "تاني قام واحد جميل في بلدنا ماتْ"! (2) "سيد أحمد الحردلو شامي" يرجعنا ، دونما مراجعة بعدية، لأطروحتنا الأساسية، حول إبداع أهل الشمال، شمال الشمال، قبل أن يداهمنا "الانفصال"، فيصبح الشمال،"الدولة السلف"."الحردلو جاء من هناك .. "من عندهم"، مثلما حبات العقد "اللولي والمرجان".. من المنطقة الملهمة، جغرافيا الإبداع، ترتسم على خارطة من "فرصَ" حتى المتعرجات النيلية، أرض الحجر، "وانت نازل" (النيل وخيرات الأرض هنالك ومع ذلك ومع ذلك .. ومع ..ذلك). النيل يتلوى في نصف دائرة .. وانت نازل في اتجاه الجنوب حتى العطبراوي .. "الحردلو" الطفل الهجين لزوجين من "ناوا" و"تنقاسي السوق" ..في أعطاف كتاباته عن سيرته، أكثر حضوراً وانتماءً. عُرفت تلك البلدة من قديم ، بالسحِرْ "سحّرة أم أرض السِحر" لا يهم الآن. ... تلك قصة ، نتركها لمصداقية الرواة والوثائقيين وبحاثة الانتريولوجيا الاجتماعية .غير أنَّ "الحردلو" ...جاء من هناك .. من شمال الشمال ... تلك المنطقة الملهمة والملهمة ... في آن واحد . (3) "الحردلو" الذي رحل نهار الجمعة الثامن من يونيو، يبقى على مستوى التصنيف الايكولوجي، مولوداً شرعياً للبيئة الإبداعية، التي رفدت ثقافات أواسط السودان، حكمة وروية وأغاني وموسيقي وألحان وحكايات، بالطيب صالح وجيلي عبد الرحمن ومحيي الدين فارس وعثمان حسين ووردي وجمال محمد أحمد وإسماعيل حسن ونجم الدين والدابي وأولاد اليمني وحميد والسر الطيب وكرم الله والنعام آدم وعلي عبد القيوم وعلي الوراق وعبد الله علي ابراهيم وآخرين من حداة الشجن والكتابة الفاعلة "تقولي شنو وتقولي منو"! وعلى مستوى الذاكرة التي تحتفظ بالمآثر الشخصية، كان "سيد أحمد" أخو أخوان، وقدح حبّان، وحلو لسان، هاشا باشا، محتفظاً دوما بملامح الإنسان الجميل، شكلاً ومحتوى، صادق النوايا تجاه الآخرين .."النية زاملة سيدا" .. يقول "نحن من علم الغرام الغراما" وكان محباً مستداماً للوطن "يا بلدي يا حبوب" و"طبل العز ضربْ يا السرة قومي خلاص" وتاني قام واحد جميل في بلدنا مات. (4) لم يكن قد أكمل دراسته الجامعية بقسم الأدب الانجليزي بجامعة القاهرة الأم بعد، حين صدرت مجموعته الشعرية الأولى "غدا نلتقي".. عام 1960م ولم ينقطع "الحردلو بعدها عن الكتابة في شتى أجناسها الإبداعية والصحافية، ذات المنحى الشاعري هل الشجر الذاهل يزهو أم أن تلك أيام العجلى القابلة للتداول بين الناس. إذ إنه رغم تداعيات المرض المرهق الطويل، ظلّ حريصاً على نشر كتاباته على مختلف المنابر والوسائط المتاحة ظلّ مشغولاً بهموم الوطن والناس قريباً منهم! حظيت دائرة العمل الدبلوماسي ببلادنا، منذ الاستقلال، بكوكبة نتميزة من الأدباء والفنانين والعلماء والمؤرخين والمنشغلين بالعلوم الاجتماعية عموماً، لذا كان أمرا طبيعياً انضمام سيد أحمد لذلك الرهط الجميل. كان دبلوماسياً متميزاً ومنتجاً وفاعلاً، من هذا الرهط المبدع، انسدل "الحردلو" في القائمة التذكارية التي توشحتها الأسماء "محمد عثمان يس وجمال محمد احمد وفخر الدين وصلاح احمد إبراهيم وصالح مشمون ومحمد المكي إبراهيم ونور الدين ساتي وعلي حمد إبراهيم والفاتح حمد وعمر عبد الماجد وعبد الهادي الصديق وجمال محمد إبراهيم وخالد فتح الرحمن وشجرة الإبداع والكتابة النافعة "في وزارة الخارجية" لا تزال..لا تزال ! (5) ....................... ...................... "تاني قام واحد جميل في بلدنا مات" د. مبارك بشيرُ 13/6/2012