** ومن الغرائب ما حدث قبل زمن ليس ببعيد حين أراد الصحفيون انتخاب اتحادهم.. بعد اكتمال الكشوفات وقوائم الترشيح، تقدم بعض الشباب بطعن قانوني ضد أحد الأعضاء، لأنه كان يومئذ يشغل موقعاً دستورياً بالدولة، بل كان ناطقاً رسمياً باسم الحكومة، وهذا يتعارض مع عضوية اتحاد الصحفيين، أوهكذا كان الطعن..ولكن مسجل تنظيمات العمل رفض الطعن بحجة أن الشباب لم يقدموا ما يثبت بأن هذا الناطق الرسمي باسم الحكومة يشغل هذا المنصب الدستوري..وسألني الأخ علاء الدين بشير، أحد شباب مذكرة الطعن، حائراً : (هسة زي ده نعمل ليهو شنو؟)، فنصحته مداعباً : (امشوا جيبوا ليهو شهادة تعيين من القصر الجمهوري ولا مجلس الوزراء)، وضحكنا وافترقنا، ويتبعنا تساؤل من شاكلة : كيف يطالب المسجل بشهادة تثبت دستورية رجل يملأ الإذاعات والفضائيات والصحف - آناء الليل وأطراف النهار - ناطقاً رسمياً باسم الحكومة ؟..هكذا كان تساؤلنا، وبالقطع إجابته تؤدي إلى أن في الأمر (لولوة) ..!! ** تذكرت ماحدث عامئذ حين اطلعت على رد فعل وزارة العدل حول قضية مدير الإدارة القانونية بولاية الخرطوم، والتى أعدها ونشرها - بمهنية رائعة - قلم الأخ ضياء الدين بلال يوم الثلاثاء الفائت..وبصراحة كده : تفاجأت بالقلم أيضاً وليس بالمخالفات فقط، فالذي اعتدت عليه هو أنني أتلقى أسبوعياً بعض السب وبعض اللعن من الأخ ضياء الدين من جراء انهمار سيل أوامر القبض وتكاليف الحضور ذات الصلة ب(إليكم)، ولكن يبدو أن الأخ ضياء توكل على الله قائلاً (ياخ طالما أنا أصلاً قاعد أمشي المحاكم والنيابات كل يوم بسبب ساتي، أخير أمشيها بحقي كمان)..المهم، تلك قضية تجسد استغلال السلطة والنفوذ في أقبح صورها، وكذلك تعكس بأن القانوني المناط به صياغة وحماية القانون يمكن أن يركل قانونه ويضرب به عرض الحائط في لحظة أنانية ينام فيها الضمير..نعم جل من لايخطئ ولايخالف، ومع ذلك حين يخطئ معد القوانين أو يخالف حامي اللوائح، فإن خطأه بمثابة كارثة وكذلك مخالفته تعد من الكبائر، وذلك لسبب بسيط فحواه : حاميها يجب ألا يكون حراميها..وبصدفة خير هي من ألف موعد، نشرت (السوداني) مخالفات المستشار مدحت في ذات اليوم الذي قال فيه النائب الأول قولاً معناه : إذا خالف المسؤولون قوانين البلد، فإن المواطن يجد تبريرا لمخالفاتها أيضاً ..أي رب المسؤول يجب ألا يكون بالدف ضارباً، حتى لايصبح الرقص والطرب شيمة الشعب، أوهكذا كانت رسالة النائب الأول..يوم رسالته صادف يوم نشر تلك المخالفات .. والحمد لله على ذلك، فلن يصفنا أحد بأن نقتل الذبابة بالصخرة ..!! ** المهم..(الأخ رئيس تحرير صحيفة السوداني، السلام عليكم ورحمة الله، أشير إلى مانشر على صحيفة (السوداني)، والمتعلق بمنسوبي وزارة العدل، نرجو مدنا بكل ما لديكم من وثائق ومستندات ومعلومات لأغراض تقصي الحقائق حول الموضوع المذكور، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لمحاسبة كل من يخالف القانون..وجزاكم الله خيراً..عصام الدين عبد القادر الزين، وكيل وزارة العدل)، هكذا رد الفعل..أولاً، لقد أحسنت الوزارة عملاً بانفعالها بالقضية وبتأكيدها على التحقيق والمحاسبة، ولاخير فينا إن لم نقل : وزارة العدل ليست بطرف في هذه القضية،بل أحد منسوبيها هو من يجب مساءلته، فالشرع ثم ميثاق الشرف الصحفي يلزمنا باتباع نهج (لا تزر وزارة أو هيئة أو إدارة - أو أي وحدة حكومية أو شعبية بالدولة وزر موظف أو عامل أو مواطن منسوب إليها، ما لم يجد هذا المنسوب حماية من تلك الجهات)..وعليه، تلك مخالفات ذات صلة بمنسوب بالوزارة، ونأمل ألا تجد الحماية بحيث يتحول ذاك النهج إلى نهج من شاكلة (لقد وزرت الوزارة وزر أحد منسوبيها) ..!! ** ثم، وهذا هو المهم..الصحفي، أي صحفي، يجب ألا يكون في موضع بحيث يكون هو الشاكي أو شاهد ملك في أية قضية عامة، ودوره - حسب الدستور وقانون الصحافة وميثاق الشرف - يجب ألا يتجاوز النشر مع حق الاحتفاظ بمصادره ووثائقه لنفسه فقط..أما التحري والتحقيق وجمع الوثائق والمحاسبة، فتلك مهام جهات أخرى ليست من بينها الصحافة والصحفيون، ولذلك لم يروقني هذا الطلب القائل بالنص (مدنا بكل ما لديكم من وثائق ومستندات ومعلومات)..عذراً، طلب كهذا يجب ألا يرد في خطاب وزارة هي التي صاغت قانون الصحافة وكذلك هي المناط بها حماية دستور البلد والنصوص التي تخص الصحافة..ثم كل وثائق ومستندات المقال ليست بعيدة عن وزارة العدل، فالمسجل التجاري - الذي يسجل شركات المستشار - يتبع لوزارة العدل، وكذلك القانون الذي يمنع المستشارين عن مزاولة الأعمال الخاصة صاغته وزارة العدل ويجب أن يكون بطرفها أيضاً، فلماذا تطلبون أن نمدكم بما هو بطرفكم ..؟.. سؤال برئ جداً ..!!