انتهت الجولة الأولى بين المؤتمر الوطني والمعارضة بإنتصار الأول وتجديده الثقة في أن بقاءه في الحكم منطقي ومبرر إلى حين إشعار آخر وثبت أن البشير ليس دكتاتورا يجب الإطاحة به، بل هو خيار معقول يمتلك شعبية (لا داعي للخوض في تحديد حجمها، ولكل قناعاته). لكن هذا الإنتصار لا يعني نظافة شباك المؤتمر فالنتيجة 7 إلى 3 وليست (عشرة على عشرة)..! المعارضة أحرزت هدفا في (جمعة لحس الكوع) دون غيرها من الجمعات الكاذبة لأنها أولا نجحت في إختطاف المفردة من سياقها، وظلت تربي هذه الكلمة في الإعلام الإسفيري حتى حولتها إلى (تعويذة غضب) مع أن هذه الكلمة لم يقلها د. نافع ضد الجماهير ولا حتى قواعد المعارضة. لقد جاءت في سياقين أحدهما في تحدي الإدارة الأمريكية والثاني ضد أجندة (تحالف جوبا) وهي إدانة لخدمة (بعض) رموز المعارضة لدولة الجنوب دون رضى قواعد الأحزاب ذاتها. أبسط العقول كانت تتوقع أن المعارضة تجهز في نافع ليكون مشروع (الحد الأدنى) بين الشارع والأحزاب ولكن المؤتمر الوطني وإعلامه لم يبطل طلاسم التعويذة مبكرا بجهد إعلامي ذكي وإنزلق في المواجهة الخطابية مما سهل دخول الهدف. الهدف الثاني أحرزه المؤتمر في نفسه لأنه لم يجر التغييرات التي وعد بها في التشكيل الوزاري بالحجم الذي توقعه الناس وتفسير هذا أحد أمرين: الأول هو أن القيادة السياسية لم تعد قادرة عن إنهاء خدمة من تريد والثاني هو أن الشخصيات المستهدفة من قبل الرأي العام ما زال بعضها جديرا بالبقاء والآخر لا بد أن يسبق رحيله خطوات وترتيبات. هذا التفسير الثاني لم أكن من (الذواقين) له ... ولكن بعد بعض النقاشات الجانبية التي أجريتها مع قرابة سبعة وزراء سابقين أو في الخدمة إكتشفت أن الغضب من بعضهم يزداد في حين أن لديهم عطاء ممتازا للغاية ... والمشكلة أن المؤتمر الوطني في ظل إنشغاله بدوامة الأزمات لم ينتبه إلى إنخفاض شعبية بعض قياداته ولم يدرس الحلول الممكنة..! المشكلة الأخطر من هذا أن (البعض) ربما راق له هذا الإنخفاض وغض طرفه عنه ليزداد لحاجة في نفس يعقوب. وهنا المشكلة ربما سببها شروخ جهوية يتفادى الناس الكلام عنها. الهدف الثالث سببه عدم التنسيق بين عدة أجسام، فما يظهر أنه إخفاقات يمكن أن يعاد إنتاجه بإعتباره إنجازات. والأمثلة كثيرة. المعارضة لم يتجاوب الشارع معها لأنها سقطت في إختبارات عديدة فهي تريد إسقاط النظام دون أن تتخذ موقفا واضحا من دولة الجنوب ولا من مليشياتها (قطاع الشمال) ... ولا من الجنائية والمخططات الشريرة التي تستهدف السودان شعبا لا حكومة ... مواقفها تتقلص كل مرة في إدانة المؤتمر الوطني والمطالبة بحكومة إنتقالية بحجة أنه جزء من الأزمة بينما تستحل لنفسها التنسيق مع الجزء الآخر (المعتدي)..! المعارضة لو قررت خروج الشارع باجندة وفاق وطني وإستفتاء شعبي حول كل هذه المخاطر وحول دستور نهائي تعقبه الإنتخابات .... ربما خرجت معهم أنا نفسي .. ولكن كيف يخرج الشعب لصالح معارضة ظلت أسيرة مصالح الحركة الشعبية منذ ميثاق أسمرا 1995 ..!