** هي حكاية يونانية، وكما تعلم عن أهل اليونان أنهم يتقنون فن الحكي، وجل حكاياتهم ذات مغزى، ومنها أن مزارعاً امتلك حصاناً، ثم وقع حصانه هذا ذات يوم في بئرعميقة ولكنها جافة .. ظل الحصان يجهش بالصهيل الحزين الناتج عن ألم السقوط والارتطام بقاع البئر، وظل يرسل لساعات أنيناً يفطر القلب ويمزق الكبد من وطأة الألم..وكان المزارع طوال ساعات الألم يجتهد في التفكير لينقذ حصانه من تلك البئر العميقة، ولم يفلح..ثم فجاة شرع يفكر في أمر آخر، إذ إنقاذ الحصان لم يعد مهماً، خاصة وأنه صار عجوزاً وغير قادرٍ على العطاء، وأن تكلفة إخراجه من البئر تساوي تكلفة شراء حصان آخر، ثم إن البئر جافة منذ زمن طويل، وهي بحاجة إلى الردم والدفن، وليس له تكلفة دفنها وردمها ..!! ** هكذا ذهب التفكير بالمزارع إلى اتجاه آخر، إلى ( التخلص من الحصان ثم ردم البئر)..ثم استنجد بجيرانه طالباً منهم مد يد العون والمساعدة في دفن البئر، وعقله يحدثه بأنه وجد حلاً للمشكلتين في لحظة واحدة وبجهد واحد، أي التخلص من الحصان العجوز بدفن البئر المعطلة.. بدأ الجميع الحفر بالمعاول ثم جمع التراب وإلقائه في البئر بجد واجتهاد، وتأثر الحصان في بادئ الأمر بما يفعلون، حيث أخذ في الصهيل بصوت عالٍ ومغلف بالألم، ولكنهم لم ينتبهوا لصهيله الحزين ولم يكترثوا لوجعه الخرافي ولم يبالوا لحياته الغالية، فقط المطلوب منهم هو دفنه حياً ليموت وتدفن البئر الجافة.. وبعد زمن طويل من صب التراب في البئر، تفاجأ الزراع بانقطاع صهيل الحصان، فذهب بهم الظن إلى أنه نفق تحت ركام ترابهم..!! ** وليتأكدوا من ذلك، انحنى أحدهم لينظر إلى ما يحدث في جوف البئر، وصعقه المشهد، بحيث رأى الحصان واقفاً ويهز ظهره كلما سقطت عليه أتربة المزارعين، فتنزل الأتربة من ظهره على أرض البئر، ليقف عليه الحصان ويرتفع خطوة للأعلى، إلى حيث سطح البئر ..وهكذا استمر الحال العام..هم يلقون بالتراب في البئر، فيقع التراب على ظهر الحصان، ويهز الحصان ظهره ليقع التراب على الأرض، ويقف عليه الحصان بحيث يرتفع خطوة نحو سطح البئر..وحين اكتمل الجهد الذي مكنهم من دفن البئر، تفاجأوا بالحصان يقف قاب قوسين أو أدنى من سطح الأرض، ثم قفز برشاقة إلى سطح الأرض( حيث هم بمعاولهم)، وغادرهم وهو يهز ظهره لينظفه من غبار ترابهم ..!! ** انتهت الحكاية، ولكن حياة الناس لم تنته، وهي كما حكاية ذاك الحصان في قاع البئر..ومغزى الحكاية هو مرآة الحياة التي يجب نرى فيها أنفسنا ومواقفنا ومواجعنا وأحزاننا..إذ هي - الحياة - دائماً تلقي على الناس بأوجاعها وأثقالها وأحزانها، كما فعل أولئك الزراع، ولكي تعيش حصيفاً ورشيقاً، يجب عليك أن تفعل كما فعل ذاك الحصان المثابر، والذي بمثابرته هزم أوجاعه وأنقذ ذاته من بئر الأحزان..أي لا تقلق مهما كان واقع حالك.. ولا تستسلم لليأس مهما كان عمق قاع ظرفك.. وتعلم بأن تنفض أتربة الآلام من ظهر قلبك، لترتفع - بروحك المؤمنة - خطوة تلو الأخرى نحو (الهواء الطلق)..نعم، وأنت مقبل على العيد ، أنفض ظهر قلبك من الحزن، وباطن عقلك من التوجس، لتعش حياتك كما يرضي خالقك ويرضي يقظة ضميرك، وثق بأنك حين تتوكل على الله تطمئن لعدالته وترضى بأقداره، إذ لايُظلم ولايُهزم من اتخذ الرحمن وكيلا، وكذلك لايحزن..وبعد صادق الدعاء لك وللوطن الحبيب بالخير وراحة البال، أهدي نفسي وإياكم بطاقة معايدة نصها : ما أجملك..حين تحاول فعل الخير/ وتُحسن حين يُسئ الغير/ و ما أجملك حين تعيش لأجل الناس..فسر لاضير/ وجد في السير/ توكل تُرزق مثل الطير/ وكُن كالشجر الأخضر/ فهذا يُعطي حين يصيب الأرض يباس..!!