كنت في دولة إفريقية ... في أحد افخم أحيائها لم أجد في الصيدليات سوى نوع واحد من المضادات الحيوية، تذكرت أنه في السودان هنالك عشرات الأنواع تمنح على حسب نوع الإلتهاب لأن (الطب تطور) وصار فحص الدم يحدد نوع البكتريا ودرجة خطورتها وبناءا على ذلك يمنح المضاد الحيوي الفعال والمناسب ..! إستغربت جدا وسألت الصيدلي عن بندول (إكسترا) ... لم يعرفه ... ظننت انه مساعد صيدلي فتحادثت معه بإنجليزية بسيطة فوجدته صيدلي خريج جديد على سن ورمح ولكن أرفف صيدليته فارغة ... سألته عن إحتمالية وجود الزوماكس و(إكسترا) أو البندول المخصص للنزلات، دلني على صيدلية افخم فلم أجد شيئا ولكن هنالك دلوني على أدوية تستخدم في هذه الحالات ... كانت أدوية هندية رخيصة ولكنني خفت منها ... لم اجد الإكسترا المتوفر الآن في (البقالات!) في السودان ... بل يصنع في السودان ضمن قائمة طويلة من الادوية المصنعة محليا ... صراحة قطاع التصنيع الدوائي في السودان متطور وسمعته مثل (جنيه الدهب) إلى حين إشعار آخر. هذا القطر الأفريقي وغيره مستواه في (التطبيب) مثل السودان في الثمانينات وليس التسعينات لأنني لا زلت أذكر حلقات بابكر حنين في برنامجه (بصراحة) عن (التصنيع الدوائي في السودان) ... منذ التسعينات كان حنين يفتخر بأنه لدى السودان أحد عشر مصنع دواء وحشد في ذلك البرنامج ملاك المصانع والخبراء و(ناس الحكومة) وكان نقاشا قمة في الرقي ... هذا سودان التسعينات ... الدول التي تجاورنا في العام 2012 معظم مستشفياتها حاليا مشغولة بالوبائيات وأمراض المناطق الحارة والإستوائية ... كم مصنع يوجد في السودان حاليا؟! السؤال لغرفة التصنيع الدوائي في أصحاب العمل! السودان يصلح للتسويق وجلب ملايين الدولارات لخزينة الدولة عبر السياحة العلاجية وإذا كان حلمنا هو توطين العلاج بالداخل فلنكن اكثر طموحا ولنفكر في جعل السودان الدولة الأولى في السياحة العلاجية في إقليم شرق ووسط أفريقيا (خطوة أولى) وذلك لعدم وجود منافس يذكر ولقرب المسافة التي تختصر تكلفة الطيران او السفر البري السياحي ... إذ توجد شريحة من المرضى لا تتأثر بالسفر البري ... من يريد أن يفتت حصوة في الكلى أوالمرارة ربما لا يحتاج للطائرة ... خاصة وأن البشارات تترى ... سفارة السودان في أديس تخطط الآن لخط بري مباشر من الخرطوم لاديس ... أتدرون ماذا يعني هذا؟! يعني أن جيبوتي وأرض الصومال (هرجيسيا) وهي بلاد مستقرة جدا صارتا على مرمى حجر من الخرطوم. إذا هدأت الأحوال بين الشمال والجنوب فهذا يعني أن الدولة البترولية الوليدة ستكون قبلتها العلاجية الأولى هي السودان ... وقد ذكر لي بعض الإختصاصيين أن تشاد تحولت من (فرنسا) إلى (السودان) في بعض العمليات الخطيرة ... تخيلوا لو أننا نشطنا الإستثمار العلاجي في مدن حدودية ... هل من الصعب على كبريات المستوصفات إفتتاح فروع في الجنينة ..! الكادر الطبي السوداني شاطر وممتاز ومهذب وأمين ... رؤوس الأموال موجودة ... الأجهزة متوفرة في الأسواق المحلية والعالمية ... كل شيء موجود ... المسألة تحتاج إلى سياسات وفتح صفحة جديدة ..!