تقول الطرفة إن ثعلباً اتخذ داراً بجوار مزرعة الإنتاج الحيواني.. وجعل من المزرعة مصدراً لرزقه وحيث يحتال على سرقة (السواسيو) والطيور من الأقفاص.. وقد تعب المزارع مع هذا الثعلب وقرر مقاومته بشتى الوسائل وقام بإنشاء قفص كبير من الحديد المقوي.. بحيث لا يتمكن من اختراقه.. وبعد كل ذلك أغلق القفص بطبلة كبيرة وأخذ المفاتيح معه إلى الدار ونام مطمئناً بعد هذه التحوطات.. ومع كل ذلك فإن الثعلب جاء بعد منتصف الليل كما تعود ولكنه فوجيء بهذه التحصينات التي ضربت على المكان.. وقام باللف والدوران حول القفص وفكر وقدر واستشار و(كورك) و (هو هو) وفنجط وبرطع واحتج على هذه (الترتيبات الأمنية) التي اتخذها المزارع لكبح أطماع الثعلب المكار.. ولما لم يجد طريقة للحصول على الدجاج قام بالإقتراب من جانب القفص وأدخل ذيله الطويل من إحدى فتحات السلك الشبكي.. وبدأ يهز ذيله داخل القفص مرة ذات اليمين ومرة أخرى في إتجاه الشمال ومرة فوق ومرة تحت.. وبالطبع فإن الدجاج كان ينزعج ويكورك بصوتٍ عالٍ و(يكاكي) ويبدو أن ثعلباً آخر شاهد هذا المنظر وسأله عن السبب الذي يجعله يحرك ذنبه داخل القفص وهو يعلم أنه لن يحصل على أي دجاج بهذه الطريقة.. فقال قولته المشهورة (سهر الجداد ولا نومو..) وما دام أن الثعلب غير قادر على تحصيل الغرض الأساسي فليحصل على نتيجة فرعية أقلها تسبيب الإزعاج والسهر. وربما أن سردنا لهذه الطرفة يلتقي بما تفعله دول الاستعمار الحديث في بلادنا ابتداءً من قصة الحصار الاقتصادي في بداية التسعينيات مروراً بالمقاطعة التجارية في منتصف التسعينيات مروراً بالحظر على المواد الغذائية والأسلحة ، انتهاءً بالمطالبة باعتقال رئيس الجمهورية ووزير الدفاع.. وبالطبع إن لم يكن اعتقال الرئيس ممكناً فعلى الأقل يمكن أن يكون الأمر مزعجاً وجالباً للسهر والإرباك في قضايا أمنية وحراك سياسي داخلي.. وسيظل الطامعون وربائبهم (الذنب) الذي سيدخله ثعلب السياسة الدولية في داخل قفص الهموم السوداني.. وبالطبع لن ينتهي مسلسل حشر الذنب والتلويح به إلا بعد التوصل إلى التنازلات المطلوبة في حدها الأقصى. على أن الحل العاجل يكمن في إعادة ترتيب البيت داخل (الحركة الإسلامية) المنشقة على نفسها.. وهذا الإنشقاق من المؤكد أنه الذي أفرز تلك القضايا المستعصية إبتداءً بقضية دارفور.. فعندما كانت الحركة الإسلامية ملتئمة الأطراف ومتماسكة استطاعت أن تحقق الكثير من الإنجازات على أرض السياسة وفي ميدان الصراع الفكري ومقاومة الحصار الاقتصادي. واستطاعت الحركة الإسلامية أن تشق طريقها في أمواج متلاطمة من العداوة التي كانت تأتيها حتى من دول الجوار ومن الدول التي تدعي (مقاومة الإرهاب) ومن بعض ما يسمى بدول الإعتدال.. وهي بتماسكها في ذلك الوقت استطاعت تجاوز كل المتاريس والعقبات التي وضعت في الداخل والخارج.. وتمكنت من اجتياز المطبات الهوائية في السياسة والأعاصير الموسمية والأشواك التي وضعتها في طريقها أنماط المعارضة المختلفة.. ولكنها عندما تناحرت وانقسمت قرب أن يذهب ريحها.. ودخل السوس ونخر في أطرافها وفي عمقها.. وبإنقسام الحركة الإسلامية انقسمت الآراء والأفكار وانشطرت الوحدات لتتكون منها الشظايا التي تحرق الجميع. ومن المؤكد أن اشتعال النيران في دارفور- الولاية الإسلامية الوحيدة التي تكاد لا توجد بها كنيسة ولا معبد واحد- كانت نتيجة حتمية للمفاصلة في داخل الحركة الإسلامية.. وليعلم الجميع أنه في حالة إنهيار نظام الإنقاذ القائم الآن فإنه لن تقوم للحركة الإسلامية وربما الإسلام نفسه أي قائمة وستذهب ريح الجميع.. ولن يشفع لأحد الفرقاء أنه كان معارضاً للنظام بل إن الجميع سيكونون في مركب واحد وفي حفرة واحدة.. وهنا نؤكد أن من سيخلف الحركة الإسلامية في حكم البلاد لن يفرق بين من هو مؤتمر وطني أو مؤتمر شعبي أو تحالف إسلامي أو حزب أمة أو اتحادي.. بل ربما أن هناك من القادمين الجدد من قد لا يستطيع أن يفرق كثيراً بين ناس المؤتمر الوطني وبين من يحفظ سورة الفاتحة. فالأمر أيها السادة أخطر من الخلافات التي تغرق في أوحال المطالب الدنيوية والرغبة في الإستزادة من السلطة والثروة.. ومستقبل السودان واستقراره الآن يرتبط كثيراً شئنا أم أبينا .. بما يحدث من خلافات داخل ديار الحركة الإسلامية..