د.حامد موسى بشير [email protected] حاول الثعلب بشتى الطرق أن يفلت من الحبل الذي يكبل قدميه ، ولكن كل محاولاته ذهبت أدراج الريح ، فصار يعوي كأنه يستجدى من ينقذه ، ولكن فكي آدم دار حوله بهدوء وهو ينظر لعينيه .... ثم تكلم معه بصوته الهادي الرزين : - ياثعلب ... أنا عارفك بتسمعني وبتفهم كلامي ... أنطق قول شن جابك لبيوت فكي آدم ؟ ... يا ثعلب لو الحبال ما قبضنك أسبار فكي آدم بجيبنك.... أنطق وقول توقف الثعلب عن الحركة ، ورفع أذنيه المدببتين ، بإنتباه ثم تكلم... فكي آدم يفهم كلام الحيوانات : - يافكي آدم والله أنا ما عارف دي بيوتك.... جيت جيعان والجيعان ما بميز .... أنا سمعت بيك قالو قلبت الأصلة صارقيل، لكن دي حياتي يا فكي آدم ... يا أسرق يا أموت ... أبوي مات في شرك ، وأمي كتلوها ناس حلة وما فضلت إلا أنا... كان شايف الجوع غلطة أكتلني يا فكي آدم أنزل فكي آدم عصاه ، وقال للثعلب : - كان أنا ما كتلتك الليلة ، بكرة بتلقى البكتلك.... ولو ما كتلوك تاني بتجيني راجع داير تسرق وأنا بكتلك - طيب ما تشوف لي حل ، وأكسب فيني ثواب ... مش إنت فكي وعندك أسبار ؟ فكر فكي آدم طويلا ، ثم قال : -عندي ليك حل لكنو صعب شديد عليك رفع الثعلب رجله المربوطة ، وقال : -أي حل يحلني من ده أنا بقبلو قال فكي آدم بصوت عميق : - أنا بحولك إنسان .. راجل ، وتقعد معاي وتخدمني ... بأكلك وبشربك وتعيش معاي في أمان الله.... لكن يومك التفكر ترجع لقديمك وتسرق ، أنا بمسخك ثعلب تاني وبكتلك ... أها قلت شنو ؟ لم يفكر الثعلب طويلا ، بل قال متلهفا : - موافق ... يلا حولني - فكر كويس ياثعلب... حياة الناس ما زي حياة الخلا ..هنا عندنا الحياة معقدة شديد ، وما بتقدر تستحملا ضحك الثعلب وقال: -معقدة؟ إنتو شفتو شنو للتعقيد ؟ والله حياتكم دي أسهل منها مافي... حولني يا فكي آدم أغمض الفكي عينيه وتلا بعض الأسبار والطلاسم، فتحول الثعلب في الحال إلى رجل ضئيل الحجم ... قال له فكي آدم : -أها ياثعلب ، هداك بقيت زول... يلا أول حاجة نشوف ليك إسم وأنا سميتك برهان فك الثعلب قيوده ومشى لفكي آدم ، وقال له : - أنا خادمك يافكي آدم ، وأوعدك ما تشوف مني شينة - يلا أرح البيت تقول الحكاية إن برهان الثعلب ، عاش عام كامل ، في بيوت فكي آدم يخدمه بجلب الماء والحطب والطعام ، ويقاوم غريزته الثعلبية ، في السرقة ، حتى لا يمسخه فكي آدم...... وبعد هذا العام مات فكي آدم في فراشه وأصبح برهان حرا ووحيدا في هذا العالم الغريب عنه.... عالم البشر رحل برهان إلى حلة مجاورة، في محاولة للبحث عن عمل.... كان قد أدرك إن كلام فكي آدم كان صحيحا... حياة البشر معقدة ألف مرة من حياة الغابة... هناك لايكذبون ولا يحتالون ولا ينافقون ، ولا يداهنون....أما هنا فحدث ولا حرج .. لقد تعجب كثيرا وهو يسمع البشر يتحدثون عن الثعلب كنموذج للمكر والدهاء والتحايل ، مع إنهم سادة هذه الصفات. في المدينة الصغيرة وجد برهان وظيفة صغيرة ، ومريحة له تبعده على الأقل عن مخالطة البشر ... وظيفة حارس في مزرعة دواجن... ومنذ أول خطوة له في المزرعة ، ثار الدجاج وفزع وراح يصيح ، حتى إن صاحب المزرعة إندهش قائلا: - الحاصل شنو يا جماعة؟ الدجاج بفطرته عرف حقيقة حارسه الجديد ، وبرهان نفسه أعاد إليه الدجاج ، ذكريات جميلة من الماضي... لم يعد الطعام الذي يجده يرضيه..... كان يشتهي الأيام الخوالي... التسلل ليلا للقرية وخطف الدجاج النائم... كانت إنتفاضة الدجاجة ورفسها وهو يجري حاملا إياها في فمه ، هي ما تجعل الوجبة لذيذة... ثم يجهز عليها وحده في الخلاء... الآن لم تعد هناك متعة... الطعام صار مطهيا بالنار وفقد مذاق الدم الشهي... يا برهان لقد حققت ما تريد وصرت إنسان ولكنك لست سعيدا أبدا... ذات ليلة سمع صوت الدجاج يصيح ، فنهض ليرى ما يحدث... وهناك في ركن الأقفاص شاهد ثعلب رمادي يمسك بعنق دجاجة ويهم بالفرار بها .... جرى برهان نحوه ثم توقف.... لسبب ما لم يهرب الثعلب ، بل بقى واقفا ينظر إليه ، فأنزل برهان عصاه بإستسلام وخاطب الثعلب: - شيلها وأمشي ، لكن ما تجي هنا تاني نظر له الثعلب طويلا ثم إستدار قائلا: -شكرا يا زميل وجرى حاملا الدجاجة... هذا المنظر جعل برهان يتنفس بسرعة ويتلفت نحو القفص الذي فتح فيه الثعلب فجوة ... كان الدجاج يصيح بخوف ، ولكن برهان زحف داخل القفص وامسك بدجاجة سمينة بين أسنانه ، وخرج جريا نحو الخلاء... جرى وهو يشعر بنشوة غامرة في عروقه... وسمع صوت صاحب المزرعة يصيح : -برهااااان إنت وين ؟ في حرامي في الأقفاص ودوى صوت رصاصة في الظلام.... تقول الحكاية إن صاحب المزرعة وأبناءه ، تبعوا أثر لص الدجاج في الصباح ، فشاهدوا أثار الريش والدم وآثر أقدام رجل تحولت إلى أثر قدم ثعلب ولكنهم لم يعثروا أبدا على الحارس برهان تمت د.حامد موسى بشير