كان الدكتور عبد الرحمن الخضر والي الخرطوم يحدثنا في أعقاب الخراب الذي ألم بولايته جراء سيول وأمطار العام الماضي بقاعة الشهيد الزبير ، يومها طالبته بدفع تعويضات لأسر الضحايا الذين قضوا نحبهم جراء الصعق الكهربائي بشوارع الخرطوم وأزقتها نتيجة لأسلاك الكهرباء العارية واتصال التيار بالمياه الطافحة على الشوارع . أظن أن الخضر أورد إحصائية تشير إلى وفاة أحد عشر شخصاً أو يزيدون بالصعق الكهربائي في ولاية الخرطوم الخريف المنصرم ، وأجابني في الإجتماع بأن إدارة الكهرباء ملزمة بدفع ( الدية ) في حالة ثبوت مسئوليتها عن أي حادث ، ووعد بتشكيل لجنة تقصي لا نعلم عنها شيئاً حتى الآن ! ليس غريباً أن لا نعلم عن هذه اللجنة شيئاً ، شأنها شأن الكثير من اللجان التي ماتت في مهدها . فلا أحد منا يعرف حتى اليوم نتائج التحقيق الذي قيل أنه سوف يتم حول أسباب الذين قتلوا في مظاهرات سبتمبر الماضي . استبقت تصريحات لمسؤلين يومها أية لجنة ، وألصقت التهمة بالعصابات المتفلتة ، ولكن السلطات المختصة من جهة أخرى تنكر وجود عصابات متفلتة كظاهرة بالعاصمة المثلثة ، وفي نفس الوقت هي لا تقر بأن الذين قتلوا من المتظاهرين ليسوا من العصابات المذكورة ! العصابات المتفلتة ليست هي سوى جماعات ( النقرز ) . حتى الأيام الفائتة كانت الصحف تحمل أخباراً عن اعتداءات لهذه العصابات على المواطنين بالأسلحة البيضاء . إذا لم يتم قطع دابر هذه الجماعات فسوف تشكل خلايا وبؤراً لتمرد الهامش المسلح في قلب السودان . على السيد والي الخرطوم الكشف عن نتائج كل لجنة قال لنا أنها تشكلت أو سوف تشكل للتحقيق في حوادث الموت أياً كانت صفته جراء اعتداء مُبيّت أو عرضي . السكوت لن يمحو من الذاكرة حقيقة أن الذين ماتوا بسبب الصعق الكهربائي في شوارع الخرطوم بشراً وليسوا حيوانات نافقة ، علماً بأنه في بلاد غير المسلمين يتم إيداع السجن كل من يقتل كلباً ( متعمداً ) . الدكتور ياسر ميرغني الأمين العام لجمعية حماية المستهلك كنت قد طالبته العام الماضي بأن تتبنى جمعيتهم دعوتي للتحقيق مع إدارة الكهرباء وكل متورط في حوادث الصعق الكهربائي للمواطنين في الشوارع العامة مع هطول الأمطار من أصحاب العمارات والشقق السكنية الذين يمدون المتاجر التابعة لعماراتهم المقابلة للشوارع الرئيسية بالتيار الكهربائي من داخل الشقق بصورة عشوائية تهرباً من تخصيص ( عدادات ) منفصلة للمحلات التجارية ! الدكتور ياسر ميرغني ورد على لسانه بالأمس تجديد دعوتي للسيد الوالي وغيره لدفع ( الدية ) لذوي المقتولين بالصعق الكهربائي وعلى رأسهم إدارة الكهرباء ، وأورد إحصائية مناقضة لإحصائية الوالي مفادها أن الذين ماتوا بسبب ذلك بلغ عددهم 99 شخصاً ! حوادث الصعق الكهربائي لم تقتصر على العام الماضي وحده ولكنها ظاهرة امتدت لأعوام سابقة في قلب الخرطوم . وفي الأماكن الطرفية نفقت حتى المواشي جراء هذه الحوادث . في إجتماع ضمنا مع وزير الكهرباء السابق أسامة عبد الله قبل موسم الخريف المنصرم ، أكد لي مدير شبكة الكهرباء بأنهم دأبوا على مراجعة الوضع قبل حلول موسم الخريف لكن الواقع المعاش كذّب هذه التصريحات ! لا يمكن أن تعامل السلطات إنسان هذا البلد كواحد من قطعان المواشي وأي دم مواطن يسيل بدون جريرة في أية ولاية من ولايات السودان يظل معلقاً في رقبة الوالي بالدرجة الأولى ، ويُخرج له الله تعالى يوم القيامة كتاباً فيلقاه منشوراً .