الأخ بكري بعد التحية أسمح لي بالتعقيب على الطريق الثالث عن هوجة السلفيين.. وهي ليست هوجة فقط.. فقد تحولت يا عزيزي بكري إلى هوس ديني عديل.. فإذا اعتبرنا أن السيد محمد عبدالوهاب مجتهد ومن الاصلاحيين.. فإن تلاميذه من بعده اعتبروا اجتهادهم وكسبهم هو مراد الله.. ولذلك اعتبروا مخالفيهم مبتدعة.. وكفروهم فأعطوا أنفسهم وآرئهم هذه القدسية.. واعتبروا اجتهادهم هو الحق تقليداً لمشايخهم وانقلبت المذاهب الفكرية الرحبة الاجتهادية إلى أدوات طائفية يقودها الإتباع وحرموا النظر في عمل السلف.. وإن خالف الحس والوجدان ولسنا في شك من حسن النية وسلامة القصد والنظر في سد الذرائع.. فكل اولئك أمور مفهومة مقدرة حين تعترض أن الهدف هو الوصول إلى نقاط الضعف وحدها في منهجهم.. وحين تدرك أن هذه القراءة لنقدهم ضرورية لفهم ذلك التراث وتمييز ما طاب من فكرهم.. عما خبث ومعرفة الأسباب والآثار.. وإن السلف تناولوا وفقاً لمقاييس النقد للأسانيد والمتون كل ما وصلهم من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما نقدوا مما بلغهم من فقه وقواعد وآراء ومذاهب وتفسير ووقائع وأحداث وفككوا وركبوا وحللوا وكشفو العلاقات بين الأشياء.. ولم تعرف تلك الفترة حتى عصر التقليد العقلية الذرائعية الاستسلامية لأن من البديهي أن الإسلام جاء إلى الإقناع بعيداً عن الخطاب العاطفي التعميمي والخطب المنبرية التي ملها الناس بالأحكام الشرعية الجاهزة المختلفة التفكيرية أو التبديعية أو التفسقية كأن الله خلق لنا عقولاً لنعطلها عن الإنتاج حتى انتهينا إلى هذا الغياب الحضاري، وهذا الجمود الفكري.. لقد ابتليت الصحوة الإسلامية بنموذج من الناس لا يحيدون عن ظواهر النصوص ولا يقبلون تأويلا ولا تعليلا ولا قياساً ولا استحساناً.. ولا استصلاحاً.. ولا يعتبرون أن هذه الشريعة مرنة بما فيها من القواعد الغنية.. وبما تحتويه من النصوص التي تعتبر مجالا خصباً للنظر والإجتهاد والإستنباط.. يقرأون النصوص بعيداً عن مقاصدها وأحوالها وقرائن أحوالها.. ويصدرون الأحكام التي تناقض بديهيات العقول.. ففي خلافهم مع الصوفية مثلا.. كانوا اعتبروا الإحتفال بالمولد بدعة محرمة ولكنهم في نهاية المطاف نصبوا خيمتهم في ساحة المولد بمكبرات الصوت في مواجهة الشيوخ ونافسوهم في ما اعتبروه حراماً مستنكراً..!! ولما زار المبعوث الأمريكي مشايخ الصوفية وأثنى على نهجهم القائم على التسامح والوسطية أخذتهم الغيرة مثل الضرات.. فاستدعوه ايضاً وأعطوه مصحفاً.. وهو موجود في السودان منذ عقدين.. فلماذا لم يستضيفوه من قبل؟! فأكلوا الدنيا بالدين من حيث لا يشعرون.. ولم يكن عملا خالصاً.. وهم يظنون إنهم سالمون من ذلك .. وقد قال الفضيل بن عياض وهو من مشايخ الصوفية الأخيار رضي الله عنه لأن آكل الدنيا بالطبل والزمر أحب إلىّ أن آكلها بديني.. وقديماً قال الخوارج لا حكم إلا الله وكفروا سيدنا علي رضي الله عنه ونسوا انه من المبشرين بالجنة.. فكانت كلمة حق أريد بها باطل.. واليوم يصيح هؤلاء في وجه المشايخ لا يعلم الغيب إلا الله وكلاهما في خراب العقل واحد.. فهذه ايضاً كلمة حق أريد بها باطل.. فقد قال جل شأنه(عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسولٍ)، وكلمة رسول نكرة لكي يندرج فيها من رسولٍ ونبي وولي وصديق.. فكل هؤلاء ممن ارتضى الله مثل سيدنا الخضر قتل الغلام.. وقال سيكون كافر وهو ليس بنبي.. والآية ذكرت الرسول وحده فهل النبي ليس ممن ارتضى الله؟؟ ولكن القوم لا يفقهون وقس على ذلك أغرب شئ انهم يأولون كلام وقد نهاهم سبحانه وتعالى.. وقال (لا يعلم تأويله إلا الله).. ولا يأولون كلام مشايخ الصوفية .. فيظنون بهم ظن السوء.. عوض محمد الهدي