بينما جموع الشعب السوداني ممن هم خارج حد الفقر، ومكنتّهم ظروفهم الاقتصادية وصمدت جيوبهم أمام اسعار الخراف، بينما يستمتعون بالتهام الشواء، واحتساء (الشربوت) ، كانت السلطات تلقي بطالبات جامعة الخرطوم -ساكنات داخلية البركس العتيقة والشهيرة- الى قارعة الطريق، دون مراعاة لحرمة العيد، ولا لضيق ذات ايديهن التى حرمتهن من السفر الى تلك المدن والقرى البعيدة لتمضية أيام العيد ومعانقة فرحته في حضن الاسرة ودفئها. عندما كنا طلاباً بجامعة الخرطوم قبل خمسة أعوام كنا ننظر لنهاية اليوم الدراسي بعين الغيرة لزميلاتنا وصديقاتنا قاطنات الداخلية، فقد كان ذلك الصرح التاريخي الذي يوازي مباني الجامعة وتاريخها عبقاً بمثابة امتياز لقاطنيه، فحلمي كان ان ابيت ولو ليلةً واحدةً في احدى غرف (البركس)، وأن اعيش في ذلك العالم الجميل الذي نعمن به زميلات أخريات، فطقوس المذاكرة الجماعية للمواد الدراسية أيام الامتحانات كان لها طعم ومذاق آخر، والمخاطبات وأركان النقاش الليلية ابان الحملات الانتخابية للمنبر النقابي كانت ذات لون خاص، فقد كان السكن في (البركس) يحلق بك في فضاء آخر وعوالم اخرى تجعلك اكثر قرباً من الجميلة ومستحيلة، بالله عليكم الا يعد تدمير التاريخ جريمة كبرى؟ محاولات صندوق دعم الطلاب لازالة مباني داخلية (البركس) وبيع اراضيها لمستثمرين لن تمر مرور الكرام، فطلاب جامعة الخرطوم بامكانهم التفريط في شهادتهم الجامعية وربما ارواحهم ولكن لن يفرطوا في مباني الداخلية مهما غلا الثمن. أي عقل هذا الذي يبعد الالاف الطلاب عشرات الكيلومترات عن قاعات الدرس، ليتكبدوا مشاق المواصلات التى سترهق ميزانيتهم الهزيلة، ويستغرقوا الساعات للوصول من اطراف العاصمة حيث المنطقة التى من المقرر انشاء مبانٍ سكنية جديدة للطلاب وبديلة للداخليات الحالية التى تبعد خطوات عن الحرم الجامعي. أي أخلاق وأي قانون وأي عرف هذا الذي يسمح بطرد فتيات لا عائل لهن في العاصمة من داخلية الطالبات في جنح الليالي، حتى تهرع بعض الأسر التى تقطن الاحياء القريبة لنجدتهن وايوائهن؟؟.