إن تفشي القبلية وتمددها في مساحات كبيرة على حساب الوحدة الوطنية وضمان نسيج اجتماعي قوي اصبحت مهدداً يفوق ما تقوم به الحركات المسلحة او التفلتات الامنية، وللاسف فإن الولايات الغربية (دارفور الكبرى وكردفان الكبرى)، رغم ما تشهده بعض مناطقها من وجود الحركات المتمردة فيها وسيطرتها على بعض المحليات- مهما قلت- هي نفسها الولايات التي تفشت فيها القبلية واصبحت تشهد حروباً قبلية ليس بين قبيلة واخرى فحسب، وإنما تمددت لتكون داخل بطون القبيلة الواحدة، وهذا مما يؤسف له ويستدعي التدخل المباشر من القيادات الاصلية وشيوخ وقادة هذه القبائل ومن ثم يأتي الدور الرسمي الحكومي على مستوى المحلية والولاية ثم المركز.. لقد قالها رئيس السلطة الإقليمية الدكتور التجاني سيسي في وقت سابق بأن الحروب القبلية اصبحت اكبر مهدداً للاستقرار من الحركات المسلحة وإن كانت الحركات المسلحة يمكن أن يتم التوصل معها عبر اتفاقات سياسية وامنية، فإن القبلية ما لم يحدث التوافق الاجتماعي اولاً فلا مجال الى ايجاد الحلول الاخرى نسبة لطبيعة اسباب الصراع. من جانب وللوجود اليومي لافراد هذه القبائل في منطقة واحدة ولمصالح الحياة اليومية التي تجمعهم وكثيراً اما تكون سبباً في انطلاق الشرارة الاولى لتلك الصراعات، الاخطر من ذلك هو أن الحركات المتمردة حاملة السلاح عندما تفتقد السند الشعبي لما تقوم به من ممارسات ضد المواطنين الابرياء وتشعر بتضاءل وجودها على الميدان فإنها غالباً ما تلجأ لإذكاء روح القبلية وتغذيتها بما يخدم اهدافها حركات مسلحة وليس كقبائل.. تلك التحولات التي تشهدها بعض مناطق دارفور وكردفان تتطلب تدخلات نوعية من شيوخ القبائل ومن القيادات السياسية المنتمية لتلك القبائل، فضلاً عن تدخلات الحكومة الاتحادية التي يقع على مسؤوليتها الحفاظ على امن الجميع وثانية النقاط الداعمة تمثل تلك المصالحات هو ابعاد الحزبية عن القبائل، والامر يتطلب تجرداً كبيراً من قبل ولاة الولايات لكي لا يكونوا محل اتهام بأنهم آثروا ابناء قبيلتهم على ما سواهم من قبائل داخل الولاية، وهذا ما يتطلب تدخل المركز بشكل مباشر.. تابع الكثيرون بحزن وألم ضحايا تلك الحروب بين قبائل المعالية والرزيقات وما اسفرت عنه من آلام داخل كل بيت، وكيف أن التفتت والتعصب القبلي قد افشل الكثير من مؤتمرات الصلح التي بادرت الحكومة واستصحبت معها القيادات الاهلية.. ومناسبة حديث اليوم هو انطلاق مؤتمر الصلح بين بطون قبيلة المسيرية الحُمر الزيود وآل عمران والذي يتم الآن في ولاية غرب كردفان برعاية كريمة من امير عموم قبائل دار حمر الامير عبدالقادر منعم منصور، وبحضور اهلي وحكومي ولائي واتحادي مميز فضلاً عن القيادات الامنية من شرطة وقوات مسلحة وجهاز امن ومخابرات ..اهتمام الحكومة يتمثل في التزامها بانزال كل التوصيات والمطلوبات التي تمخضت عن انعقاد هذه المؤتمرات والتزامها ايضاً بالتعويضات في الخسائر المادية، للاسف فإن الخسائر في الارواح والتي لا يعوضها المال، هي الاخرى سوف تعالج عبر الديات.. ما هو مطلوب حقيقة من تلك المؤتمرات هو الالتزام بالابتعاد عن الثأرات والتي حصدت ارواحاً ذكية البلاد في حاجة إليها، ولكن بالمقابل الاستقرار لا يحدث إلا بالتنمية من جانب، وبتوفير مقومات الحياة الكريمة من الجانب الآخر.. فإن ضيق ذات اليد هو الذي يقود الى انتهاك املاك الآخرين والذي يؤدي بدوره الى الصراعات التي عنها نتحدث. فإن عدم توفر اساسيات الحياة في تلك المواقع التي تغلب عليها الزراعة والرعي، يُعد سبباً اساسياً في الصراعات القبلية.. فإذا ابعدنا القبائل عن الصراعات السياسية والتحزب الذي أضرَّ بهم كثيراً، وضاعفت الحكومة جهودها لتنمية بعض الولايات، فإن ذلك سيكون مدخلاً لحل تلك النزاعات. فلناخذ من الصلح داخل قبيلة المسيرية الحمر نموذجاً لاحياء لقاءات الصلح القبلي بعيداً عن آلة الاعلام التي ربما لا تساعد في إنجاح تلك المؤتمرات.