ضاق الجان ذرعاً بحياته في احد المنازل التي يشارك فيها أصحابها من بني الانس لقد كانت تلك المنطقة النائية التي يوجد فيها ذلك المنزل بل وكل منازل الحي في ذلك الحي العشوائي في اطراف أم درمان هو مقر اقامتهم الدائمة لمئات السنين حيث كانوا يعيشون في حرية تامة يسرحون ويمرحون ويلعب أبناؤهم في ذلك الفضاء الرحب لم يعكر عليهم صفاء حياتهم غير ذلك النفر من بني آدم الذين شاركوهم في ارضهم بل وباتوا يسرقون تلك الاراضي منهم ومن الحكومة فقد تفتق دهاء اولئك البشر فكانوا يبنون بيوتهم بالليل وعندما يحضر المسؤولون في صباح اليوم التالي يجيدون تلك الغرف. مكتملة البناء فيختلط عليهم الأمر فيحسبون أنها منازل قديمة تم تشييدها قبل مدة وهكذا تمدد ذلك الحي بصورة كبيرة وقد اضطرت الحكومه اخيراً الى مده بخدمات المياه والكهرباء والتعليم بل وشملت تلك الرعاية اقامة مركز صحي تبرع به احد اثرياء الخرطوم نظير السماح له باستيراد (كوته) من السيارات الجديدة من اليابان من المصنع رأساً ولكن طمع ذلك الغربي جعله يستورد تلك السيارات من دول الخليج وهي مستعملة ولكن بحالة جيدة إذ اشرف على سمكرتها وطلائها قبل دخولها لميناء بورسودان فبدت كالجديدة وقد حققت له تلك الصفقة ارباحاً خيالية بدأت معها تلك الأموال التي انفقها في تشييد المركز الصحي وكأنها لا شيء. وهكذا دائماً بني البشر لا يعملون شيئاً إلا وفيه مصلحتهم هكذا تمتم ذلك الجن. لقد ضاق ذرعاً ذلك الجان المسكين الذي كان يقيم مع صاحب المنزل العشوائي بأطراف أم درمان من حياته فقد كانت الغرف ضيقة وكانت من الجالوص وقصيرة الإرتفاع يكفي أن ترفع يدك الى أعلى لتلامس سقفها كما كانت التهوية رديئة مما أصاب أبناء ذلك الرجل بالأمراض التي انتقلت الى أبنائه من بني الجن أيضاً والمشكل أن ذلك الرجل الفقير متزوج من اثنتين وينوي الزواج بالثالثة فأصبح البيت ومن كثرة الأطفال وكأنه زريبة مواشي. أصبح ذلك الجن المسكين يعاني من الازعاج كما أصبح اطفاله يعانون من المجاعة فطعام ذلك الرجل من بني الانس قليل لا يكفي لاطعام اطفاله وهو طعام بائس ليست له أيه قيمة غذائية ميزته الوحيدة انه يمكن ان يشبع تلك البطون الخاوية إذا تم تقديمه بكميات كبيرة ولكن ذلك لا يحدث أبداً. شكا ذلك الجان لقريبه من أن بني الانس اغتصبوا أرضه وأقاموا فيها حي عشوائي كبير. وأن المنزل الذي يسكن فيه مع احدهم لا يهدأ من الضجيج والازعاج . لقد كان قريبه يسكن في احدى أرقى أحياء الخرطوم في ڤيلا لا يوجد فيها غير الزوج والزوجة، أما الأبناء فقد هاجروا الى امريكا. واستراليا وبريطانيا واحدى دول الخليج وكان هؤلاء الأبناء يرسلون تذاكر السفر بالطائرة لوالديهم يقيموا معهم لفترة ما وهكذا ظلت الڤيلا خالية من السكان أغلب فترات العام. وهكذا أصبح ذلك الجان السعيد يتمتع باقي الاقامة بتلك الڤيلا بحرية تامة لا يعكر عليه صفاء حياته أحد من بني البشر. كانت هناك حجرة بالمنزل يقيم فيها خفير يقوم بحراسة الڤيلا ولكنهم كانوا لا يقربونها إذ إن ذلك الرجل كان يقضي أكثر وقته في الصلاة وتلاوة القرآن. تعجب ذلك الجان الذي يقيم في اطراف أم درمان من حظه التعيس الذي رماه في ذلك الحي العشوائي وقرر أن يرحل الى ذلك الحي الراقي في الخرطوم وسيجد له متسعاً في احدى الڤلل او العمارات الفاخرة من ذلك الحي وفعلاً اختار ان يشارك احد اثرياء الخرطوم السكن في قصره المكون من عدة طوابق خصصها له ولسكن أبنائه كانت الغرف متسعة ونظيفة وجيدة التهوية، أما الوجبات فقد كانت متعددة ودسمة بل وقد خصص ذلك الثري احد العاملين معه ليعمل فقط في احضار الطعام في عربة خاصة به اطلقوا عليها اسم (عربة الخدامين) كان أبناء ذلك الثري يتجنبون استخدامها تأففاً وكانت بحالة جيدة. انتشر خبر تحول ذلك الجان المسكين الى مسكنه الفاخر الجديد فقررت مجموعة الجن التي تسكن ذلك الحي العشوائي اطراف أم درمان الانتقال الى حياة جديدة في أحياء راقية لينعموا بحياة راقية تحفها الرفاهية يأكلون الطعام الفاخر ويشربون مياه مثلجة معبأة في زجاجات من البلاستيك وهكذا بدأ موسم هجرة الجن الجديدة الى قلب الخرطوم.